الوسوم
رحم الله نجيب محفوظ، فلو كان يعرف ما ستلحقه به روايته "أولاد حارتنا"، لما أقدم على دفعها إلى الأستاذ هيكل بالأهرام لينشرها في حلقات مسلسلة عام 1959. الراوية التي نشرت معظم حلقاتها قبل أن ينتبه الناس إلى مضمونها، تعرض أو تعارض –بمصطلح الشعراء- قصة البشرية والأنبياء الذين نجح الروائي العالمي ببراعته المعروفة في حشدهم في الحارة على مراحل متعددة بدءاً بأدهم (آدم) الذي طرد مع إدريس (إبليس) من بيت الجبلاوي (الرب)، مروراً بجبل (موسى) ورفاعة (عيسى) وانتهاء بقاسم (محمد) الذي بقيت الحارة بعده لفترة طويلة بغير مصلح، حتى ظهر عرفة (العلم)، وأعاد ترتيب الأوراق، ثم وصل به الغرور إلى أن تسلل إلى بيت الجبلاوي المنيع عبر السنين، واستل سكيناً محاولاً قتله.
بعد ذلك بأكثر من أربعين عاماً، وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي ومن الحضارة، جسد الكاتب الشهير دان براون صاحب الرواية الأشهر "شفرة دافنشي " نفس الفكرة (فكرة الصراع بين الدين والعلم، وفكرة استخدام العنف أداة في هذا الصراع) في روايته الأولى "ملائكة وشياطين". ورغم أن هذه الأخيرة نشرت أولاً، ورغم أنها أكثر حبكة وإثارة من رواية الشفرة، إلا أنها لم تأخذ حظها إلا بعد عرض فيلم "شفرة دافنشي"، فباعت حتى الآن أكثر من عشرين مليون نسخة (رحمك الله يا عم نجيب)، وتتصدر الآن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً منذ شهور.
روايات دان براون الأربعيني العمر، والذي كان يعمل مدرساً للتاريخ قبل استقالته من التدريس وتفرغه للكتابة التي جنى ورائها الملايين، تدور كلها في إطار بوليسي مشوق، يمتليء بالإثارة والغموض وحل الألغاز وتعتمد على الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، والمزج المذهل بين الحقيقة والخيال، والاستخدام الدرامي لمواقع حقيقية كالكاتدرائيات والكابيلات والشوارع، وأشخاص حقيقيين كالفنانين والأدباء والسياسيين، و أحداث وقيم ومعتقدات تاريخية – خاصة في معظمها بالثقافة المسيحية- بما يمنح أعماله – التي ربما احتوت صوراً وخرائط ونقوشاً أُثرية- تميزاً وقيمة ربما تتجاوز بكثير قيمتها الأدبية الحقيقية.
ولا يمكن بالتأكيد أن نختصر رواية ملائكة وشياطين في عدة أسطر وهي التي بلغت حوالي 600 صفحة في ترجمتها العربية، ودارت أحداثها جميعاً في يوم واحد (هو يوم انتخاب البابا الجديد)، وفي مدينة واحدة هي مدينة القاتيكان. غير أن محور القصة يدور حول صراع طرفه الأول هو "الطبقة المستنيرة"، وهي جماعة سرية قديمة ترتبط بوشائج بالماسونية العالمية، وطرفه الثاني هو الكنيسة الكاثوليكية. وتاريخ هذا الصراع يعود إلى القرن السادس عشر حيث رأى جاليليو وزملاؤه العلماء أن عقائد الكنيسة ومبادئها الخرافية هي عدو الإنسان الألد، وأن الدين إذا استمر في حثه الناس على الإيمان والخرافات، فإن مسيرة التطور العلمي ستتعثر، وسيقضي ذلك على مستقبل البشرية ويحوله إلى سلسلة من الحروب الدينية التافهة والسخيفة. تسلل أعضاء الطبقة المستنيرة مع الوقت إلى القطاع المصرفي والجامعات والصناعة، وعملوا على إنشاء نظام عالمي جديد (دولة عالمية موحدة) ترتكز على التنور العلمي. ولم تكن الكنيسة لتسكت على ذلك الاجتراء، فقررت أن تتعامل مع هذه الهرطقة بعنف، خاصة وقد بدأت أبحاث بعض العلماء تبشر بنظريات تخالف معتقدات كنسية متوارثة. كما أن تنامي دور العلم كان من شأنه – في ظنهم- أن يضعف إيمان الأتباع، وحاجتهم إلى الرب ومعجزاته. فضيقت عليهم الكنيسة، ولم تتوان في إصدار أوامر بقتل عدد منهم.
برزت من "الطبقة المستنيرة" أسماء لامعة (أدع القاريء الكريم لمعرفتها من خلال الكتاب)، وكان صراعهم مع الكنيسة دموياً في بعض الأحيان، فقد كانوا وراء عمليات تفجير في الكنائس، واغتيالات للقساوسة. وظل هذا الصراع محتدماً حتى الحرب العالمية الثانية، حيث اختفت أخبارهم تماماً، بعد ضربات موجعة من الكنيسة وتأكد لجميع الدارسين أنهم خسروا المعركة، وأنهم اندثروا. لكنهم عادوا ليبرزوا بقوة، ويجاهروا بعدائهم للكنيسة على طريقة "يا قاتل ما مقتول".
ترددت شائعات أن المركز الأوروبي للأبحاث النووية (سيرن) والواقع في سويسرا، يرتبط بهم بطريقة أو بأخرى. وإذا كان الفاتيكان هو رمز الدين المعاصر، فإن سيرن هو رمز التكنولوجيا المتقدمة. وكان أحد الباحثين النابغين في سيرن يجري في سرية تامة هو وابنته تجارب علمية غاية في التقدم، تخص موضوع نشأة الكون. وتمكن الرجل بعد تجارب مضنية من إنتاج ما أسماه "نقيض المادة" أو المادة المضادة" تقريباً من العدم. وكان الرجل – الكاثوليكي المتدين- يبحث عن الله بطريقته، وبمباركة من البابا شخصياً، حين تمكن من خلق قطرة من "المادة المضادة"، ولكنه قبل أيام من إعلان اكتشافه الذي سيغير تاريخ العلم، قتل في حادثة بشعة وفقئت عينه (حيث بها بصمة الدخول إلى معمله)، وسرقت المادة المضادة، وكانت هذه القطرة كافية لتدمير مدينة الفاتيكان خلال أربع وعشرين ساعة.
توفي البابا، وتولى الإشراف على ترتيبات اختيار البابا الجديد سكرتيره الكاهن الشاب الذي كان في مقتبل الثلاثينات، وكان ظل البابا الراحل وكاتم أسراره. وكان الترشيح يجري بين 165 كاردينالاً جميعهم بين الخامسة والستين والثمانين، كما تقضي الأعراف الكنسية. وكان الاختيار بين أربعة من كبار الكاردلة، ولكنهم قبل وصولهم إلى مكان التصويت تم اختطافهم، ثم التهديد بقتل واحد منهم كل ساعة، قبل أن يتم تفجير المدينة بأكملها خلال ساعات. ولم يتمكن أحد من التوصل إلى الخاطفين، ولم تكن لهم مطالب محددة يتفاوضون بشأنها، لكنهم أعلنوا لجميع وسائل الإعلام التي تابعت الأحداث لحظة بلحظة، أنهم ممثلو "الطبقة المستنيرة"، وأن العالم كله ليس بمقدوره إلا أن يتفرج على الفاتيكان بمبانيه التاريخية ومقتنياته الفنية ومكتبته العامرة بعشرات الآلاف من المجلدات السرية والعلنية، وهو يصبح أثراً بعد عين، ولا يمكن لأحد ولا هم أنفسهم أن يوقفوا هذه "المادة المضادة" عن الانفجار.
جرت الأحداث كما كان مخططاً لها، تم قتل الكرادلة الأربعة واحداً في إثر الآخر على يد قاتل مأجور، كان يختم على صدر كل منهم بعد قتله أحد الرموز السرية للجماعة والتي تعبر عن عناصر العلم القديم الأربعة (التراب والهواء والماء والنار). بل طال نفوذ الطبقة المستنيرة السكرتير البابوي نفسه المحاط بحراسة محترفة، وجرت محاولة لقتله ووسمه بشعار الطبقة المستنيرة الأعظم وهو "الماسة"، في إثبات أكيد ونهائي لانتصار العلم على الدين. لكن الكاهن الشاب نجا من الموت بمعجزة، وخرج إلى الجموع وهو يعاني أثر الحرق حيث الآلاف محتشدون في الساحة يرتقبون اللحظات الأخيرة والملايين في العالم كله يشاهدون الأحداث على الهواء مباشرة. وتلقى الكاهن الشاب رسالة غامضة من السماء توجه بعدها راكضاً إلى أحد السراديب تحت كنيسة القديس بطرس، وخلفه عدد من مناصريه وكاميرا تليفزيونية، وقبل انتهاء الوقت المحدد لانفجار المادة المضادة تمكن من انتزاعها، غير أنه كان عليها أن يبتعد بها في غضون دقائق عن الأماكن المقدسة، فتفتق ذهنه عن أن يركب طائرة هليوكوبتر حضرت لعلاجه، وقادها بنفسه، وطار في السماء إلى الأعلى وليس ناحية البحر ليلقي المادة، وهناك شاهد الجميع الانفجار المريع للطائرة، وهتفوا ببطولة الكاهن وتضحيته الأسطورية. لكن الأعجب أن الكاهن الشاب ظهر مرة أخرى بعد دقائق من الواقعة التي شاهدها أكثر من ملياري نسمة على الهواء، وتسلطت عليه أضواء الكاميرات، وهو يصلي لله شكراً من فوق أحد الكنائس. بينما الآلاف من الجماهير المحتشدة في ساحة الفاتيكان الرئيسية تهتف له وللمسيح وللمعجزة.
في الخمسين صفحة الأخيرة من الرواية، يكشف الروائي النابغة عن الخديعة التي تمكن بها السكرتير البابوي الشاب من أن يخدع وحده العالم كله، والتي لم تكتشف إلا بالمصادفة البحتة. وتكشف الرواية عن أن السكرتير البابوي قد تورط بقتل البابا (بجرعة دواء زائدة)، ثم إدعاء عودة الطبقة المستنيرة، ثم قتل العالم وسرقة المادة المضادة، والتهديد بها ليجمع القلوب حول الكنيسة، ثم اكتشافها حتى تفجيرها في الهواء بعد أن هبط بالباراشوت، ثم ظهوره بمظهر البطل الأسطوري الذي أنقذ العالم كله من كارثة محققة. وعند مواجهته أمام مجموعة الكرادلة، لم يبد أدنى ندم، وإنما تحدث عن الخدمة الجليلة التي قدمها للكنيسة بهذه المغامرة، فلم يشهد العالم المادي معجزات من هذا النوع من عشرات السنين، وظل العلم يكسب أراضً جديدة وأتباعاً جدداً كل يوم، دون أن يكون لديه رادع أخلاقي، في الوقت الذي يتناقص فيه باطراد أعداد المتدينين. قال السكرتير الشاب للكرادلة الغاضبين والذين كانوا يهتفوا قبل دقائق بمعجزته: إن الكنيسة بحاجة إلى إدارة شابة جريئة وليس كرادلة تقليدين أخذت السنون منهم الطاقة ولم تمنحهم الحكم. وقال لهم: إن التمثيلية التي أخرجها وحده ببراعة وصدقتها المليارات كفيلة بأن تكسب الكنيسة دفعة هائلة، كما أن قتل العالم الذي اخترع هذه المادة والتخلص من مادته وسر صنعها سيقضي على هذه الفكرة المدمرة الأبد، وناشدهم قبل أن يتركهم لتشتعل فيه النيران، أن يبقوا هذا الأمر سراً بينهم، فيقضوا على مصداقية الكنيسة. رأى الكرادلة بعد اجتماعهم أن يبقوا الأمر سراً، ويستفيدوا من الزخم الذي حدث وسيستمر أثره لسنوات، وانتخبوا من بينهم "بابا" جديداً وسط حماس الآلاف في الساحة والملايين على شاشات التليفزيون.
رحم الله العم نجيب، فقد كان في "أولاد حارتنا" ملاكاً إذا ما قورن بالشيطان دان براون.
عماد السامرائي said:
تحية طيبة استاذي العزيز …. لقد قرأت الرواية …. وانا افكر في ان اكتب عنها ….. وسأكتب ذلك ولكن من زاوية اخرى …… تقبل تحيتي
أحمدخفاجي said:
الأخ الفاضل د . وائل عزيز
لم أقرا رواية نجيب محفوظ أو رواية دان براون
لكن من كلامكم
دان براون تناول الصراع بين الكنيسه ومجموعه مستنيره
أما نجيب محفوظ فقد تناول الأنبياء مع الذات الإلاهيه وهذا أصعب من تناول رجال الكنيسه
رغم أني مع عدم المساس بقدسية الأديان إلا أني لا أري مبرر للرقابه علي الكتابه أيا كانت ومهما كان فيها من كفر
إن كنا نؤمن بالله حق إيمان فالندع الكفار يكفرون لأن الله سمح لهم بذلك أما نحنت فمهمتنا الدفاع عن إيماننا بالحجه والدليل
النورس said:
د/عزيز
منطقة الاديان والانبياء منطقه ذات طبيعه خاصه لا ينبغى لكائن من كان الاقتراب منها الا بحذر شديد، ولا يهمنى هنا ما يكتبه الاجانب وذلك لطبيعتهم
اما عمنا نجيب محفوظ رحمه الله فقد دخا المنطقه المحظوره وان كانت رمزا
فماذا كان يريد؟
ليس هناك اى تعارض بين الاسلام والعلم بل الاسلام يشجع على العلم ظ، وتكررت فى القرآن لفظة “افلا يعقلون” “افلا يتدبرون” مرات ومرات
تحياتى
ايمن مصطفى said:
عزيزى د / وائل
لم اقرأ كلا الروايتين ولكنك لفت نظرى لشيئ..ان العلم بالشيئ افضل من الجهل به….فى اقرب فرصة لا بد من محاولة الاستزادة من قارءة فى كل المجلات وليس العلمية والدينية فقط للاطلاع
شاكر لكم
ايمن مصطفى
وائل عزيز said:
أخي الكريم.. عماد
في انتظار رؤيتك الخاصة للعمل.
تحياتي واحترامي.
وائل عزيز said:
أخي الكريم أحمد..
إذا أتيحت لك فرصة قراءة الوايتين فلا تتردد.. فستحصل على متعة أكيدة.. وأنا أعرف كما تتدفق ذهنك أفكاراً رائقة وأنت تقرأ.
وائل عزيز said:
اخي النورس الجميل…
نجيب محفوظ كان حذراً جداً حين كتب “أولاد حارتنا”.. على الجانب الأخلاقي فقد انتصر في النهاية للدين ضد العلم…وعلى المستوى الشخصي فرغم أنه ظل يدافع الرواية حتى آخر لحظة ورفض أن يتبرأ منها.. إلا أنه كان من الوعي والحصافة بحيث أنه لم ينكر حق الأزهر في أن يصادرها لما يظن من أثرها السيء على بعض القراء.
الموضوع طويل.. وربما يحتاج إلى مداخلة خاصة..
سعدت بزيارتك وتعليقك.
وائل عزيز said:
مهندس أيمن..
في انتظار تعليقك بعد أن تقرأ الروايتان.
أسامة مصطفى said:
أخي الكريم د. وائل
سرد ممتع حقيقة، لم يكن لي حظ قراءة أي من الروايتين، ولكن حقا دان براون حذق حبك روايته فجاءت بالفعل شيطانية
شكرا لنقلك الممتع والمميز
خالص تحياتي وتقديري
وائل عزيز said:
أخي أسامة…
روايات دان براون – وقد قرأتها جميعاً رغم طولها- يمكن أن تقرأ بأكثر من طريقة. ولكن مالا يختلف عليه أحد بشأنها هو قدرته المذهلة على حبك القصة.
لا أنصح أي طالب بأن يشرع في قراءتها.. فهي إدمان من يبدأ رواية يستحيل عليه أن يفعل أي شيء آخر – بما فيه مشاهدة التليفزيون والأكل والشرب – حى يتمها..
واسأل مجرب.
مجهول said:
لماذا لا يتحدث أحد عن أن هذا الملحد براون يهاجم المسيحية ويستهزيء بها..
وهل لو كانت مثل هذه الرواية عن مكة أو الأزهر لكانت سوف تجد منكم هذا القبول والدعاية…
….
ابو عويصة said:
دكتور وائل والاخوة المدونون والقراء .. لي تعليق على شكل سؤال …
هل التحصين العقدي وفهم الدين والعمل بما جاء فيه والوقوف عند حدوده … ضروري للمسلم … قبل ان يقراء لهذا الكاتب وغيره من المسلمين الذين لا يراعون الالتزام باصول العقيدة ولا الوقوف عند حدودها … أكرر هل هو ضروري …أم … لا …؟؟
جـرمـانـيـوم said:
الاستاذ العزيز وائل قرات لنجيب محفوظ ولكن لم اقراء هذه الروايهلي زياده لابد منهاان من يقراء لدان براون يلاحظ مدي علمه بتاريخ المسيحيه اولاوعلمه الواسع بالرموز وفك شفراتهاولي ايضا سؤال لو انك تعرف الاجابه عليه ماهو راي العلماء في روايه دان براون ونجيب محفوظ؟ودمت بالف خير
د.حنان فاروق said:
السلام عليكم
قرأت الأولى وسمعت قصة شفرة دافنشي لكن لم اقرأ الرواية بعد..أما موضوع المقال فلم اسمعه إلا منك..
ولى راى خاص..وهو أن الذات الإلهية ثم الأنبياء لايصح أن يتم المساس بهم من قريب أو من بعيد..ولا من منطلق الإبداع الفكرى..وسواءاً كان الكاتب الاستاذ نجيب أو السير براون أو الجن الازرق..لن يتغير رأيي..وقاعدتى هى:
يعرف الرجال بالحق ولايعرف الحق بالرجال..
صباحكم أجمل..
عبد المجيد راشد said:
أخى الحبيب العزيز / د. وائل عزيز
كل التحية
كل التقدير
ستظل قضية الابداع و المقدس قضية جدلية الى يوم يبعثون
و رغم أن رواية الرائع نجيب محفوظ لم تتناول الذات الالهية أو رحلة الأنبياء و البشر بالمعنى الذى يؤدى الى فهمها بالطريقة التى تمت إثارة الجدل و الذى ما زال حولها .
الا أنها ستظل قضية من القضايا الكبرى
فقط أرجو قراءة النص حيث هو
و ليس بتحميله ما لا يحتمل
أو تأويله بطريقة فيها من التعسف ما يؤدى الى فقدان الهدف و المضمون الذى يؤدى اليه النص .
و فى كل الأحوال :
كلنا متفقون على عدم المساس بكل مقدس نحمله بين طيات قلوبنا و أرواحنا و رسوخ الإيمان فى نفوسنا .
فمن يجرؤ على المقدس
لا يمكن أن تكون له قضية عادلة
فالقضية العادلة ذاتها ترقى لدرجة المقدس
حيث العدل اسم من أسماء الله و صفة من صفاته و قاعدة مجردة عامة ملزمة لعباده و مقياس يقيس به المولى درجاتنا يوم العرض عليه .
و حتى لا أطيل :
أعرف اننا أما م قضية شائكة
و لكن كل القضايا الشائكة نستطيع أن نتوافق فيها على ماهو مقبول و ما هو خارج عن الحدود
و ما هو فى خانة الابداع ، و ما هو فى خانة انهيار الثوابت و مس المقدس و هز اليقين
دمت مبدعا
متألقا
وائل عزيز said:
الأخ الكريم أبو عويصة..
الحقيقة لم أفهم ماذا تقصد من قولك “تحصين عقدي”.. ولا أدري كيف يكون هذا التحصين،ولا كم هو مجد.. ما أعلمه يقيناً أن الهادي هو الله.. وأن هذه الرواية أو تلك لا طاقة لها على التأثير على عقيدة المؤمنين.. ولا هي تهدف – في ظني – إلى ذلك أيضاً.
كل ما هنالك أن هناك من القراء لا يستطيع أن يملك نفسه من فرط الغيرة على الحق.. وآخرون – وأنا منهم- يقرأونها كما يقرأون في القرآن الكريم.. قول اليهود : “يد الله مغلولة” أو “إن الله فقير ونحن أغنياء”.. وغيرها من تطاولات الكفار…
وفي النهاية الله أعلم بالنوايا.. وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وائل عزيز said:
أخي جرمانيوم…
مهمة الأدب غير مهمة العلم والتاريخ.. ويقبل من الشاعر قوله: “ولست وسيماً ولكنني أكون وسيماً وأنت معي”.. لكنه لا يقبل من طبيب تجميل.. وقد قبل الرسول من كعب بن زهير “بانت سعاد فقلبي اليوم متبول”.. ولم يكن ليقبلها من أبي بكر و عمر.
الرواية بناء محكم.. يجب أن يحاكم من داخله وليس من خارجه.. وتجاوزات الأدباء يحكمها الذوق العام، وليس القواعد الفقهية.. وما يقبله العقل الجمعي في عصر (كشعر الغلمان مثلاً) لا يقبله عصر آخر.
لا أنادي بحرية مطلقة للأدباء.. ولكن أنادي أن يحاكموا بقواعد الأدباء وليس الفقهاء.. و هي قواعد في كثير من الأحيان أشد صرامة وتزمتاً.
شكراً على تعليقاتك الذكية.
وائل عزيز said:
د. حنان…
كان هناك تجاوز بلا شك من نجيب محفوظ في “أولاد حارتنا”. وبالمناسبة فقد كتبت كتاباً صغيراً عقب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 اسمه: “الحقيقة الغائبة وراء فوز نجيب محفوظ بالجائزة”.. وتناولت فيه بالتفصيل التحليلي قصة أولاد حارتنا. وكان مما خلصت إليه أن المشابهة بين أبطال الرواية وبين الأنبياء ليست تعسفاً.. وأن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من عقد المقارنة بين بعض شخوص الرواية وبين من يعرف من مشاهير التاريخ.. وأن في هذه المقارنة إساءة إلى الأنبياء والذات الإلهية (مثلاَ: رفاعة عاجز جنسياً، والجبلاوي لا يعرف من يعس في بيته مساء)…
ولكن الروح الغالبة في الرواية لم تكن تزدري الأديان أو تهزأ بها وبأصحابها..بل كانت روح باحث عن الحقيقة .. يخطيء أحياناً في التماس طريقها.. لكنه يتمسك بها إذا وجدها. وهي روح تختلف إلى حد كبير عن روح دان براون.. الذي لم أجد الثقافة المسيحية عنده تظى بقدر من التوقير يختلف عن أية ثقافة بدائية أخرى.. وأن قيمتها تكمن في أنها مادة للبحث والتعليق.. وليست في أنها عقيدة مليارات من البشر.
على أية حال، فقد نشرت أولاد حارتنا مؤخراً بعد سنوات من المنع.. وكتب مقدمة الإصدار الجديد الكاتب الكبير أحمد كمال أبو المجد.. في قراءة جديدة لنص ملتبس.
لست مع أو ضد…
أنا مع أن يقول شيخ الأزهر: ” في الرواية ما يسيء إلى الإسلام”.. ولكني لست معه إذا قال: “الرواية غير جميلة”.
تحياتي وتشكراتي يا صاحبة المرايا.
وائل عزيز said:
الأخ الكريم عبد المجيد راشد..
من فمك أحييك.. لا أجد ما يوجز هذا الاشتباك بين الالتزام الديني وحرية الإبداع من قولك:
كلنا متفقون على عدم المساس بكل مقدس نحمله بين طيات قلوبنا و أرواحنا و رسوخ الإيمان فى نفوسنا .
فمن يجرؤ على المقدس
لا يمكن أن تكون له قضية عادلة
فالقضية العادلة ذاتها ترقى لدرجة المقدس
حيث العدل اسم من أسماء الله و صفة من صفاته و قاعدة مجردة عامة ملزمة لعباده و مقياس يقيس به المولى درجاتنا يوم العرض عليه .
ويا ليت كل مبدع يهضم هذه المعاني ويتمثلها قبل أن تغره شهوة الإبداع.. وأنت تعلم كم هي مستبدة..
دمت حكيماً ملهماً.
محمد حماد said:
الأخ العزيز الاستاذ الدكتور وائل عزيز
،،
استمتعت بمقالك وبربطك الرائع بين الروايتين
بعيدا عن حق المبدع وواجبه
وبعيدا عن تقييمنا للتصدي لمثل ما تصدت له الروايتان
بعيدا عن ذلك
المقال اكثر من رايع
قدرتك على الربط بينهما جميل
عرضك لرواية تصل عدد صفحاتها الى اكثر من 500 صفحة بل اقول لجوهر روايتين بهذا الحجم ولهذين الكبيرين ابداعيا
هي قدرة تحسد عليها
فيها هضم لما في الروايتين
هضم وفهم ومحاولة تفهم
وذائقة قادرة على اقتناص ما هو جميل من قلب كل تلك التفاصيل
استمتعت جدا
جدا
جدا
،،
تقبل احترامي وتقديري
النورس said:
د/وائل
الروايه اى روايه يقرأها الجميع ، وربما لا يتقبل البعض فكرة تجسيد الاله كما فى حالة الجبلاوي
عموما اجمل ما فى الادب شطحاته ولا يجب الحساب بالنيه
تحياتى
الشنقيطى said:
د وائل بعد التحية:
أقف إجلالا أمام اختيارك الرائع وتألقك بأسلوبك الأروع
كما أقف إجلالا أمام عظمة أستاذنا الكبير نجيب محفوظ
لك مودتى
وائل عزيز said:
أستاذي محمد حماد…
أغرقتني بكريم مجاملتك وتشجيعك..
وهذا شأن الكبار..
وائل عزيز said:
النورس المحلق في سماء الإبداع..
بعض الشطحات مقبولة..وبعضها مستفز.. ولا يعلم النوايا إلا خالق الأكوان.
وائل عزيز said:
شكراً أخي الشنقيطي على لطيف مجاملتك.. وأسعدني حسن اختيارك لقصيدة أحمد مطر في إدراجك الأخير..
وفقك الله لكل خير وجمال.
عادل سامى said:
الدكتور وائل عزيز
المحترم والمتواضع
اشكر لك زيارتك ومجد وجدك لهو فخر لى وهذه حقيقة وانا اتابعك عن كثب ..
ولقد قبلت ترشيحك … امينا عامة للمدونين ولا اريد موافقة احد فمنذ متى يأخذون بأرئنا
ادام الله عليك خفة دمك وروحك الجميلة
عبدالله الواسطي said:
حبيبتي فتاة ليل.
دارت فوق جسدها حروب وحروب
واختلف باتجاه شفتيها الشمال والجنوب
واغمضت في عينيها شمس الغروب
حبيبتي فتاة طروب
حبيبتي فتاة ليل
وائل عزيز said:
الأستاذ عادل سامي..
حسناً يا أمين المدونيين ما هي أول قرارتك؟
وائل عزيز said:
الأستاذ عبد الله الواسطي..(زغلول العراقي)
يا أخي حبيبتك شردتك في المدونات.. تنثر أخبارها هنا وهناك.
أما آن لها ولك.. ولنا أن نستريح؟!!
تحياتي
هيثم ابوخليل said:
دكتور ..وائل …تعرفت علي مدونتك بالصدفه ولكنها صدفه طيبه جعلتني أضيفها في المفضله لمواضيعها الأدبيه الرفيعه لك تحياتي …
ibnyosry said:
كعادتك فى الروعه
أحمد ثروت said:
والله انا من محبى قراءة الأدب والروايات
وخاصة على أحمد با كثير الذى قرأت كل رواياته ومسرحياته وقصصه بالأضافه الى الملحمه الأسلاميه عمر
وأيضا قرأت بعض روايات نجيب محفوظ
ولكنى لم أقرا بعد أولاد حارتنا
أعدك عند قرائتها سأكون رأيى
وانا من متابعى مدونتك
وشديد الأحترام بك
أحمد ثروت
مصر
المنصوره
وائل عزيز said:
أهلاً بك أخي هيثم.. ويسعدني أيضاً زيارة مدونتك.
وائل عزيز said:
أنت الرائع… ومتابعاتك في مدونتك للأخبار الخاصة رائعة أيضاً
بارك الله فيك.
وائل عزيز said:
أهلاً ببلدياتي..
ولا تحرمنا من تعليقاتك..
عبد الحق هقي said:
أخي العزيز د / وائل جميل هذا الإلمام وهذه الثقافة العالية – ما شاء الله – وبلا شك عرض موفق لرواية سنبحث عنها للقراءة .
دام العطاء والتميز .
أخوك .
تالة said:
يعطيك العافية استاذي الكريم بصراحة معظم الروايات الكبيرة والشخصيات البطولية اصبحت تمثل بشكل صائب او خاطأ بصراحة اسلوب الجميل والربط اجمل .
اتمنى منك زيارة قريبة
أحمد الحربان said:
الأستاذ الفاضل وائل عزيز..
لقد انتهيت من قراءة الرواية الرائعة قبل يومين فقط..
وقررت أن أكتب مقالاً عنها في مدونتي.. قبل ذلك بحثت عن “الطبقة المستنيرة” في غوغل فوصلت إلى هنا,, وإذ بنفس الموضوع تماماً !!
لم أستطع أفهم سبب هذه العبارة:
(رحم الله العم نجيب، فقد كان في “أولاد حارتنا” ملاكاً إذا ما قورن بالشيطان دان براون).
ووصف دان براون بالشيطان !
شكراً لك 🙂