من هنا نفهم. هذه قراءة خاصة في تاريخ المد الإسلامي الحديث ومستقبله مع التركيز على مصر، وفيها تلخيص لأكثر من ثلاثمائة مرجع ومصدر عن هذه الفترة التاريخية… كتبتها ليعود إليها الفتيان والفتيات ليتعرفوا بشكل مبسط ومكثف على تاريخ الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة على مدار قرن كامل، وفيها تحليلات ووقائع وشخصيات لم تأخذ حقها من النشر والرواج.

أراد "السادات" إنشاء شرعية جديدة بعد ثورة التصحيح 1971 كبديل للفراغ المذهبي "الإيديولوجي" الذي خلفه طرحه للناصرية وتوجهاتها الفكرية، فاختار الدين. و هكذا احتوى دستور 1971 على مادة تقرر أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، كما أعلن أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع، وهي مادة كما يقول المستشار طارق البشري وعدد من القانونيين أنها مادة كاشفة وليست منشئة. وفي مجال التطبيق تم اعتماد شعار دولة العلم والإيمان، ورفع الحظر عن البرامج الدينية في وسائل الإعلام، كما أتيح للدعاة أن يتحركوا بحرية أكبر بين محافظات الجمهورية وفق برامج وزارة الأوقاف أو حتى بشكل شخصي..

و يرى "دكمجيان" (في كتابه: الأصولية في العالم العربي) أن منتصف السبعينيات شهد اتباع "السادات" لسياسة ذات ثلاثة اتجاهات في المجال الإسلامي:

 1- استرضاء "مؤسسة الإسلام الرسمية" المتمركزة في جامعة الأزهر والمساجد الحكومية الكبيرة، وذلك لدعم تأييد القيادة الإسلامية في مصر.

 2- استرضاء "الإخوان" لتحييد المعارضة الأصولية، واستغلال قوة الجماعة التنظيمية ضد الناصريين.

 3- قمع الجماعات "الأصولية" النضالية التي تهدد أنشطتها العنيفة النظام.

و أتاحت هذه السياسة الفرصة لتنامى المد الإسلامي في الجامعات خاصة في صعيد مصر، وأًصبح كبار الشيوخ ضيوفاً دائمين على مقار الجامعات الإقليمية بدعوات من اتحادات الطلاب التي سيطر عليها الإسلاميون، وبرز  في هذه الفترة من الدعاة كل من الشيخ / محمد الغزالى و الشيخ / الشعراوى و الشيخ / ذكريا البرى و الشيخ / سيد سابق و الشيخ/ صلاح أبو إسماعيل والشيخ / أحمد المحلاوي والشيخ / عبد اللطيف مشتهري، وغيرهم من كبار الدعاة .

و انتشر النشاط الإسلامي في اتحادات الطلاب بالجامعات تحت اسم "الجماعة الدينية"، و في صيف 1975 تم الاتفاق على تغيير الاسم إلى  "الجماعة الإسلامية" تأٍسياً بنشاط الجماعة الإسلامية بالهند و باكستان دون أن يكون هناك اتفاق فكرى،  بل كان أملاً في وحدة المسلمين على مسمى واحد. وفي عام 75 / 1976 انضم للجماعة معظم قادتها الحاليين مثل الشيخ / كرم زهدى حمدى عبد الرحمن وأسامة حافظ وعلى الشريف ورفاعى طه وأبو بكر عثمان ومحمد تيسير و أحمد عبده سليم ومحمد شوقى الإسلامبولى. وتولى ناجح إبراهيم رئاستها عام 1978. وفى عام 1978 استطاعت الجماعة أن تخوض انتخابات اتحاد الطلبة وقد حصلت الجماعة على جميع المقاعد بالجامعة وكان المهندس / عادل الخياط رئيساً لاتحاد طلاب جامعة أسيوط، والمهندس / أبو العلا ماضى رئيساً لاتحاد طلاب جامعة المنيا.

وفي نفس التوقيت كان الخليج العربي يتشكل، وعائدات البترول تتحول طرقاً ومباني ومطارات ومدارس ومصانع، ومنذ منتصف الستينات أصبحت دول الخليج العربي هي المحطة الرئيسة في حياة الراغبين في تحسين أوضاعهم المعيشية، وتأكد هذا المعنى بعد الارتفاع الضخم في الأسعار الذي تلا حرب أكتوبر المجيدة.

وأثمرت هذه الحركة المتنامية من"الإعارة" إلى الخليج نهضة حقيقية ساهم فيها المدرسون والمهنيون المصريون، كما أصبحت تحويلات المصريين في الخارج أحد البنود الأساسية في ميزانية الحكومات المصرية المتعاقبة، وإن ظل استقرارهم الأسري رهيناً بالعلاقات الثنائية بين القادة العرب التي كثيراً ما كانت تتوتر لأسباب تافهة.

غير أن الأهم من ذلك هو التبادل الثقافي الذي حدث بين مجتمع خليجي محافظ، وأفراد مصريين يشغلون مواقع في عصب الحركة الاجتماعية والتجارية الخليجية. وخلال هذه الفترة التي امتدت فيها موجات التواجد المصري في الخليج بكثافة وانتظام لمدة تزيد عن 25 عاماً وتنتهي بغزو صدام للكويت عام 1990.. شهدت مصر تعرضاُ أكثر كثافة للأفكار السلفية، بداية من طريقة تلاوة القرآن الكريم، ومروراً بالحجاب والنقاب واللحية وتقصير الثوب ودفن الموتى وحفلات الأفراح.

وفي المقابل شهدت دول الخليج على يد بعض المدرسين وعلماء الأزهر ورجال الأدب والصحافة المصريين قدراً من الانفتاح الثقافي، تمثل في لهجة الخطاب، ومحاور الاهتمام. وإن ظل ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى رمانة الميزان في النظام السعودي. والحق أنه بفقدهما في أواخر التسعينات اهتزت دعائم الحكم السعودي، ولا تزال تعاني من آثار هذا الاهتزاز إلى اليوم. نسأل الله السلامة.