هذه مجموعة مختارة من حكايات قصيرة للأديب البرازيلي باولو كويلو، قمت باختيارها وترجمتها، ووضع العناوين لها. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. مع الأخذ في الاعتبار أن عدداً من هذه القصص هي اقتباسات قام بها باولو كويلو بذكاء من تراثنا الإسلامي..

تؤكد هذه المجموعة حاجتنا إلى إعادة نظرتنا وفهمنا لمفاهيم مثل الشجاعة، والحرية، واسم الله الأعظم، والنجاح، والتربية، والإحسان وإرضاء الله، والتميز، .. وسنكتشف أن تصوراتنا الذهنية الحالية عن هذه المعاني والقيم هي تصورات ساذجة أو سطحية أو منقوصة، وأن كثيراً ما نتمسك بالشكل ظناً منا أنه المضمون، وندافع عن العادة وكأنها العبادة التي فرضها الله وبها أمر.

>>>>

الشجاعة

كانت جماعة من الرهبان، من بينهم الرئيس نيسيريوس، يعبرون الصحراء الشرقية لمصر عندما ظهر أمامهم أسد. أطلق الجميع سيقانهم للريح، وكأن نيسيريوس أسرعهم عدواً ً.

بعدها بسنوات، و عندما كان نيسيريوس يرقد على فراش الموت، تشجع أحد الرهبان وسأله: "سيدي رئيس الدير، لا تغضب مني، ولكن أتذكر يوم خرج لنا الأسد.. لقد كانت هذه المرة الوحيدة التي رأيناك فيها خائفاً، وقد عهدناك صلباً قوياً لا تخاف". 

قال نيسروس: ولكنني لم أكن خائفاً من الأسد؟

قال الراهب: عفواً سيدي.. لقد لاحظ الجميع أنك كنت أسرعنا عدواً.

قال نيسروس: فكرت انه من الأفضل لي أن أهرب يوماً من حيوان، من أن أمضي بقية حياتي هارباً من الغرور.

>>>>

النجاح

كان المزارع يحصد جميع الميداليات التي تقدمها وزارة الزراعة، وذلك بسبب الجودة العالية لمحصول الذرة الذي يزرعه. وتساءل الناس عن السر الخفي أو السماد الخاص، أو البذور المستوردة التي يستخدمها المزارع لضمان نجاحه كل عام ولمدة سنوات. وعندما تقدم إليه أحد الصحفيين متردداً وسأل عن سر إنتاجه أفضل المحاصيل في المنطقة. أجاب المزارع بعفوية: "لا أذكر أني أقوم بشيء مختلف، كل ما هنالك أنني في نهاية موسم الحصاد أجمع قيمة شوال من الحبوب ثم أوزعه على الجيران".  فغر الصحفي فاه من الدهشة: "توزع ما قد حصدته؟ ألا تعلم أن جيرانك ينافسونك، وأنك حين تعطيهم حبوبك المتميزة، تمنحهم فرصة ليتفوقوا عليك؟" قال المزارع: أنا لا أفكر كما تفكرون يا أهل المدن. اسمع يا بني: عندما يأتي الربيع تحمل الرياح حبوب اللقاح وتنثرها في كل مكان، فإذا زرع جيراني شيئا فاسدا فسيتأثر محصولي. أفضل وسيلة لي لأحصل على أفضل الثمار أن تكون ثمار جيراني جميعاً جيدة. ليس بمقدوري أن أقدم شيئاً جيداً في الحياة ما لم أحفز الآخرين على أن يقوموا بالشيء نفسه.

>>>>

المساواة

سأل زيلو أستاذه الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: "مر وقت طويل وأنت تعلمنا أشياء رائعة. متى ستسمح لي بتطبيق ما تعلمته؟." أجاب الفيلسوف: "الطريق ما زال أمامك طويلاً. تحلّ بالصبر ولا تستبق الأمور، انتظر حتى يحين الوقت المناسب." كان زيلو لا زال جالساً عندما دخل غونغجي متردداً، وسأل السؤال نفسه. فأجاب كونفوشيوس:"ابدأ فوراً". قال زيلو متذمراً: عفواً سيدي إن ما تفعله لا يمت للعدل بصلة. لقد دخلت مع كونغجي الحلقة في الوقت نفسه، ونحن نملك نفس القدر من المعرفة، فلماذا تمنعني من تطبيق ما تعلمت، بينما تسمح له؟ ".

قال كونفوشيوس:«الأب الصالح يعرف دخائل أبنائه، فيمنع المخاطرين من المغامرة، ويشجع المترددين العاجزين عن الوقوف على قدميهم على المضي والإقدام.

<<<<

الامتلاك

كان الملك يعد للخروج لغزوة عسكرية خارج المدينة، عندما استدعى قائد حرسه، وقال له: "تعرف كم أحب زوجتي وأخاف عليها. أريدك أن تحبسها في القلعة ولا تدعها تخرج إطلاقاً في غيابي". تردد الحارس وهو يراجع مولاه قائلاً: "ولكنها تحبك سيدي ومولعة بك؟" قال الملك: "وأنا كذلك.  ولكني أؤمن بالمثل الذي يقول: جوع كلبك يتبعك، وإياك أن تشعبه وإلا عضك". نفذ قائد الحرس أمر الملك.

ذهب الملك إلى الحرب وعاد بعد ستة أشهر، وفور وصوله استدعى قائد حرسه وطلب رؤية زوجته. جاء رد الحارس كالصاعقة: عفواَ سيدي فالملكة قد هربت. لقد استشهدت جلالتك بمثل جميل قبل مغادرتك، ولكنها طبقت مثلاً آخر: " الكلب المربوط سيتبع أول شخص يفك عنه القيد".

>>>>>

اسم الله الأعظم

سأل المريد أستاذه الصوفي لماذا يبحث الجميع عن اسم الله الأعظم؟. قال الأستاذ: "اسم الله الأعظم هو الاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. من يعرف اسم الله الأعظم سيتمكن من تغيير مجرى التاريخ". ثم طلب منه أن يقضي اليوم برمته على أبواب المدينة. عاد التلميذ في اليوم التالي. وسأله الأستاذ: "ماذا رأيت؟".

ـ "رأيت كهلاً يحاول دخول المدينة ليبيع خروفه، ولم يكن معه رسم الدخول، فأوسعه الحارس ضرباً ثم سلب منه خروفه وطرده."

– "وماذا فعلت؟"

– "قلت في نفسي لو كنت أعلم اسم الله الأعظم ، لمنعت هذا الظلم وحميت هذا الكهل المسكين."

قال الأستاذ: "كان بإمكانك أن تمنع وقوع هذا الظلم، ولكنك آثرت أن تقف متفرجاً منتظراً المدد من السماء. يا بني: هل تريد أن تعرف اسم الله الأعظم؟ اسم الله الأعظم هو: كن صوت الناس. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها أن نغير مجرى التاريخ".

>>>>>

الجهل

اشتكى المريد للحاخام وشي حاييم من أن الناس تسخر منه ومن صلواته، ولا تعطيه الاحترام اللائق. قال الحاخام: "هذا الصباح وأنا في طريقي نحو المعبد، شاهدت عازف كمان بارع، كان يعزف وكأن موسيقاه صوت السماء،  حتى أن كل من كان في المكان بدأ بالغناء والرقص. ولم أملك نفسي إلا وشاركت الجميع فرحتهم، وباركت بهجتهم وسرورهم. ثم لمحت رجلاً أصم يقترب منا،  قبل أن يقف في ركن بعيد يراقب عازف الكمان وهو يعزف، والحضور وهم يغنون ويرقصون. وأخيراً رفع عقيرته صارخاً: "ما هذا العبث، ما هذه الحديدة التي يمسكها هذا الرجل، لماذا تتطوحون هكذا كالمجانين." قال الحاخام: "إن من لا يعرف قيمة ما يصنعه الملهمون لا يملك إلا أن يصفه بأنها عبث وجنون".

>>>>>

السعادة

أرسل التاجر الثري ابنه إلى الرجل الحكيم كي يتعلم منه سر السعادة. قضى الشاب في الصحراء أربعين يوماً قبل أن يبلغ قصراً مهيباً على قمة الجبل حيث كان يقيم الحكيم. كانت صالة القصر مزدحمة بعشرات الضيوف، بين قائم وجالس، وطاعم وشارب، كانت الموسيقى تعزف، بينما الموائد مليئة بأشهى المطعومات. أخيراً تمكن الشاب من الوصول إلى الحكيم المشغول بضيوفه، واعتذر إلى الشاب بأنه لا يملك الوقت الكافي ليشرح له سر السعادة، لكنه اقترح عليه أن يأخذ جولة في القصر لمدة ساعتين، يروح فيه عن نفسه، ثم يعود للقائه. قال الحكيم بغير اكتراث وهو يناول الشاب ملعقة صغيرة سكب فيها قطرتين من الزيت: بينما تقوم بالجولة، احمل هذه الملعقة واحرص على ألا يسقط الزيت على السجاد الفاخر.

بدأ الشاب رحلته، بصعود سلالم وهبوط أخرى، وفتح باب وغلق آخر، وعبناه لا تكادان تفارقان الملعقة. ومع انتهاء الساعتين عاد إلى الحكيم الذي سأله عن رأيه في السجاد العجمي في غرفة الطعام، وعن نافورة الحديقة، والمخطوطات في المكتبة. اكتسى وجه الشاب بغلالة حياء بالغ، وهو يعتذر للحكيم، بأن اهتمامه بالزيت في الملعقة حجبه عن أن يتعرف على تفاصيل القصر.

خفف الحكيم من اضطراب الشاب، وقال له: "لا بأٍس عاود الكرة، ولا تفوت شيئاً من عالمي، فكيف يمكن أن نتحدث عن السعادة دون تأمل عجائب فصري. حمل الشاب الملعقة وعاود الجولة ولكن بذهنية أخرى. تأمل كل اللوحات المعلقة على الجدران، وتابع كل المصابيح المتدلية من الجدران، شم كل زهرة في الحديقة، و قرأ كل ورقة في مخطوطات المكتبة، وعاد إلى الحكيم بعد أن قضى وقتاً ممتعاً، منتشياً بقدرته على الاستيعاب ومستعداً لأي سؤال.

فور أن أبصره الحكيم سأله: أين الزيت الذي ائتمنتك عليه. نظر الشاب فزعاً إلى الملعقة ولاحظ أن الملعفة خالية. قال له الحكيم: "هون عليك، فأنت جئت إلى هنا بحثاً عن سر السعادة، وها أنذا أخبرك به. يا بني تأمل في كل معجزات العالم واملأ بها وجدانك، دون أن تنسى قطرتي الزيت في الملعقة".

>>>>

التميز

كان النجار الصيني ومساعدوه يبحثون عن أخشاب في الغابة ليصنعوا منها منزلاً. لفتت نظرهم شجرة عملاقة سرعان ما تجمعوا حولها، لكنها كانت سميكة بحيث أن خمستهم لم يستطيعوا تطويقها، فضلاً عن أنها كانت طويلة جداً، بحيث لم يروا لها نهاية. اختبروا بعض أدواتهم البسيطة، قبل أن يصدر رئيس النجارين أوامره بتركها، والبحث عن غيرها. قال لهم لا تهدروا وقتنا، فسنحتاج إلى أيام قبل أن نقطع منها جزءاً، فضلاً عن جذوعها العريضة ستكون بغير فائدة. لو صنعنا منها قارباً فسيكون ثقيلاً ويغرق، ولو صنعنا سقفاً سيكون ثقيلاً ويسقط."

أبدى النجار الصغير استياءه.  "شجرة بهذه الضخامة، ولا قيمة لها!". قال رئيس النجارين :"ومن قال ذلك. هذه الشجرة متميزة. فلو كانت كمثيلاتها، لكنا قطعناها. ولكن لأنها مختلفة، ستبقى على قيد الحياة وستظل قوية لأطول فترة."

>>>>

العفو

خلال رحلته إلى مكة، تملكته مشاعر الخشوع.. خر ساجداً، رفع يديه وتضرع إلى الله قائلاً: "رباه، حتى تكون توبتي نصوحاً،  لا أسألك سوى أمر واحد في حياتي: امنحني نعمة ألا أعصيك على الإطلاق". جاءه الجواب: «ليس من صالحك أن أمنحك هذه النعمة. إن لم تعصني فكيف سأعفو عنك. وإن لم تستشعر قيمة أن أعفو عنك، فكيف ستشعر بقيمة أن تعفو عن الآخرين. واصل طريقك بالحب، وعندما تخطيء – و حتماً سوف ستخطيء- تقرب إلي، ودعني أعفو عنك الآن وكل مرة، حتى تظل هذه القيمة حية في قلبك"ً.

>>>>

الإيجابية

كان الشيخ نصر الدين يقف على عتبة داره، عندما رأى أحد المعلمين يقود مجموعة من التلاميذ في طريقهم إلى الجبل. سألهم عن وجهتهم، فقال المعلم بفخر: "قررت أن أكون إيجابياً. سنتجه إلى الصحراء وسيقف الأطفال صفاً واحداً، يبتهلون إلى الله بالدعاء بأن يضع حداً للفساد. فالله يا سيدي لا يرد دعاء الأطفال." قال الشيخ: " لو استشرتني لطلبت إليك أن تعود بهم إلى الفصل، فالحر شديد. ثم إن التعليم الجيد هو الذي يقضي على الفساد. علّم الصغار أن يتحملوا مسئوليتهم، وأن يتجاوزوا أخطاء آبائهم وأعمامهم". غضب المعلم من استهانة الشيخ بفكرته ، وقال مستنكراً: " يا شيخ أين ذهب إيمانك. ألا تعلم أن الله لا يرد دعاء الأطفال؟!". قال الشيخ: "إن الله يستمع إلى كل من يدعوه. ولكنه يستجيب بما يراه صالحاً. ولو أنه تعالى كان يستجيب إلى دعوات الأطفال كما هي، لأغلقت كل المدارس والكتاتيب، لأن المعلمين هم أكثر من يدعو عليهم الأطفال".

>>>

المقدس

برد الشتاء القارص وشدة الجوع دفعا الساموراي أن يشتكي لسيد المعبد أن يبحث له عن حل. تصرف الراهب الكبير بدافع الفطرة. أخذه من يده، وتوجه به إلى حيث يقبع تمثال ياكوشي ـ بودا، ونزع منه السلسلة الذهبية التي كانت تزين عنقه وأعطاها للساموراي. صرخ الطلبة الآخرون، وتملكهم الذعر وهتفوا في رئيسهم وقد تخلوا عن كل التقاليد: "هل جننت؟ أنت تندس المقدسات؟" قال سيد المعبد بهدوء: "لماذا تصفونني بالجنون؟ ألم تسمعوا أن داود عليه السلام اضطر إلى أكل الخبز من المعبد عندما استبد به الجوع. ألم تسمعوا أن المسيح عليه السلام كان يعالج في يوم الأحد إذا كان المريض على وشك الهلاك. أنا لم أفعل أي سوء. إن الحب والشفقة أهم عندي وعند بوذا من السلسلة".

>>>>>>>

إرضاء الله

سأل راهب مبتدئ رئيس الدير: "لقد اختلط علي الأمر، ولم أعد أدري كيف أحقق رضا الله. نظرت إلى إبراهيم عليه السلام، فوجدته قد أرضى الله بتقريب الغرباء، أما إلياس فوجدته يحجبهم ليرضي ربه. نظرت إلى داوود عليه السلام فوجدته يتيه عزاً وفخاراً ليرضي ربه، أما جامع الصدقات أمام المذبح فكان يذوب خجلاً ليرضي الله. يوحنا المعمدان فارق الناس إلى الصحراء ليرضي ربه، ولكن يونس اختار مخالطة الناس في مدينة نينوى العظيمة ليفعل الشيء نفسه. أنا أعجز عن تحديد كيف يرضى الله؟ قال رئيس الدير: " لقد أراد الله أن يرسل لنا رسالة واضحة. ليست هناك طريق ولا فعل معين لإرضائي. افعل ما يمليه عليك ضميرك بإخلاص.. ترضيني".

>>>>>

الحياة

في أحد الأيام كنت في نيويورك وحين خرجت من الاجتماع اكتشفت أن الشرطة سحبت سيارتي، ضاع اليوم في قسم الشرطة، كما أني دفعت غرامة فادحة. تذكرت الورقة النقدية من فئة الدولار التي وجدتها على الأرض في اليوم السابق،  ولم أعدم أن أجد العلاقة. قلت لنفسي: ربما التقطتها قبل أن يجدها الشخص المناسب، ربما قمت بإزالتها عن طريق شخص كان في أمس الحاجة إليها. وقررت أن أتخلص منها على الفور. رأيت متسولاً يجلس على رصيف المشاة فانحنيت نحوه ووضعتها في حجره. هتف بي الرجل: أنا لست متسولاً، بل أنا شاعر، ومد يده بقائمة من عناوين القصائد كي أختار واحدة يلقيها على مسامعي، قلت في ضيق من أمري بعد يوم مريع: "لا بأس اختر لي أقصرها.. "

التفت الشاعر إلي قائلاً: هذه القصيدة ليست لي، ولكنها جميلة.كلماتها تقول:

هناك طريقة واحدة لتعرف هل أنجزت مهمتك أم لا..

إذا كنت على قيد الحياة..

فاعلم أنك لم تنجز مهمتك بعد.

==