قانون الغدر… والمكارثية المصرية

في حفل الأوسكار عام 1959 أعلن عن فوز الكاتب روبرت ريتش بجائزة أفضل سيناريو عن فيلم الشجاع، وانتظر الجميع صعود الفائز الذي لم يكن بعرفه أحد، ولكن لم يتقدم أي شخص لاستلام الجائزة. تبين بعد ذلك أن هذا الاسم مستعار، وأن الكاتب الحقيقي هو واحد من 150 فناناً أمريكياً دونت أسماؤهم في القائمة السوداء منذ سنوات بتهمة أنهم شيوعيون أو متعاطفون مع الشيوعية، وكان ممنوعاً عليهم العمل مع شركات الإنتاج الكبرى.

 تطور الأمر بعد ذلك واعترف عدد من صانعي الأفلام الهوليودية أن حوالي 15% من أفلامهم يكتبها هؤلاء الموهوبون من الموضوعين على القوائم السوداء. ولم يطق الفنانون هذا النفاق، وهذا التضييق غير المبرر، وخرجت مجموعة من كبار الفنانين مثل كلارك جيبل وآفا جاردنر وغيرهم وتوجهوا في مظاهرة إلى الكونجرس الأمريكي ونجحوا في إلغاء هذه القائمة المشبوهة.

 جوزيف مكارثي المولود عام 1908 السيناتور الجمهوري الأمريكي هو أول من دعا إلى هذه الفكرة عام 1950 أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، عندما قدم – باسم الوطنية والحب المطلق للتراب الأمريكي – قائمة بحوالي 200 من موظفي الخارجية الأمريكية، وأضاف إليهم 57 عضواً في الحزب الشيوعي. تبع ذلك حملة مكثفة لمطاردة أعضاء بارزين في الحزب الديموقراطي مثل جورج مارشال ودين اكسون.

ومنذ هذا الوقت، يستخدم مصطلح المكارثية للتعبير عن ممارسات الإبعاد والإقصاء التي تستخدم ضد المعارضين أو المخالفين للنظام السياسي لمجرد الشبهة. وقد أدت هذه الممارسات التي كانت تأخذ الناس بالشبهة، إلى انتشار حالة عامة من الفزع بين الأمريكيين، خاصة مع الفساد في توجيه الاتهامات واستخدامها كأداة لتصفية الحسابات. كما أضير المئات بسببها وفقدوا وظائفهم وعائلاتهم دون مبرر. وقد اعتذر الرئيس ريجان حين عين رئيساً للولايات المتحدة عن بعض شهاداته على زملائه في هذه الفترة، واعترف بأنه ما أكثر الأبرياء الذين أضيروا بسببه في هذه الحملة.

 دان مجلس الشيوخ المكارثية في 1954، وفقدت هذه الحملة شعبيتها وتعاطف الناس معها، بعد أن شعر الشعب بعدم جدواها ورصد العديد من حالات إساءة الاستخدام، والتمييز والتطرف والمحاسبة على النوايا والضمائر. وتوقفت الحملة تماماً عام 1950، وخرج جوزيف مكارثي  من الحياة السياسية حتى توفي عام 1967 منبوذا مدمنا مريضا.

………

تداعت إلى ذهني هذه المعلومات وأنا أتابع حماس مجلس الوزراء المصري لإعادة تطبيق قانون الغدر المجمد من عام 1954، والذي صدر في عهد عبد الناصر ليحاسب به قادة الأحزاب المصرية قبل الثورة بتهمة إفساد الحياة السياسية، والذي تم استخدامه لتصفية الحياة السياسية المصرية، وتكريس حكم الفرد، والقضاء نهائياً على واحدة من مطالب ثورة يوليو 1952 وهي: إقامة حياة ديموقراطية سليمة.

 تتحدث الأنباء عن آلاف من "أركان النظام" سيتم استبعادها من العمل العام وإقصائها من وظائفها الحالية، وحرمانها من العمل السياسي لمدة تصل إلى 5 سنوات. ولا أدري لمصلحة من هذا كله، وما الداعي إلى فتح جبهة جديدة من العداء للثورة وتغذية الثورة المضادة بأعضاء جدد، كان من الممكن استقطابهم والاستفادة من خبراتهم العملية.

 الحزب الوطني لم يكن حزباً أيدلوجياً له عقيدة راسخة تسري في عقول وقلوب أتباعه ويمكن أن تجمعهم مرة أخرى فيعودوا أقوى وأشد. وهو ليس حزب البعث العراقي. وحتى قانون اجتثاث البعث الذي كان ضرورياً بعد سقوط صدام حدثت تجاوزات في تطبيقه، وتعطل تشكيل الحكومة العراقية الأخيرة عدة أشهر بسبب صدور أحكام بالحرمان السياسي ضد رموز قوية فشل استبعادها، وأخشى أن يحدث الشيء نفسه في مصر.

توصيف "أركان النظام" المطلوب حرمانهم سيكون فخاً، فإما أن يتوسع القانون في التوصيف فيصيب آلاف الأبرياء من ذوي السمعة الحسنة والكفاءة، والذين يعاقبون بأثر رجعي على إنتمائهم لحزب سياسي شرعي وهذا مجاف للعدل والعرف والشرع، وإما يتم تضييق التعريف فيفرغ القانون من مضمونه ويصبح عديم الجدوى والفاعلية.

ومن قال إن أركان النظام هم من السياسيين أو العاملين في الحكومة فحسب. إن كثيرين ممن يمكن أن ينطبق عليهم هذا الوصف هم من من الفنانيين والرياضيين ورجال الأعمال والإعلاميين وأساتذة الجامعات حتى لو لم يكونوا منضمين رسمياً للحزب الوطني، فكيف يمكن أن يطبق عليهم أحكام الاستبعاد؟ بل إن تطبيق هذا الوصف يمكن أن يطول عدداً من قادة أحزاب المعارضة.

إن القضاء المصري مثقل بالمئات من قضايا الفساد، وتحميله آلاف قضايا الاستبعاد التالية هو مضيعة للجهد والوقت والمال فيما لا طائل من ورائه. أما إصدار قرارات إدارية بالاستبعاد فهو مخالفة قانونية تتيح لكل المستبعدين أن يرفعوا قضايا عودة وقضايا تعويضات تتحملها خزينة الدولة ويدفعها الشعب المسكين، وكأن عليه أن يدفع ثمن بقاء الحزب الوطني ثم يدفع مرة أخرى ثمن رحيله.

إنني أتفهم الضغط الشعبي الذي تمارسه بعض القوى السياسية على الحكومة، وأتفهم دوافع الحكومة لإرضاء الثوار لكن هذا لا يكون على حساب مصلحة الوطن. إنني أتخيل المشهد بعد حدوث حالات الإقصاء الجماعي للآلاف. عندما تتولد لديهم حالة من الاحتقان والغضب، وتتولد لدى بعضهم إحساس بأنه مظلوم وبأنه "راح في الرجليين"، ويتحول من مؤيد للثورة ومتعاطف معها إلى حاقد عليها حانق على كل من فيها.

لقد قرأت قائمة بأول 50 اسماً مرشحين للاستبعاد ووجدت منهم أسماء هي محل تقدير من عدد كبير من المصريين، ولمحت شبهة غيرة سياسية وراء هذا القرار الذي أجد أن مضاره أكبر من منافعه.

إنني أرى أن الشعب المصري بذكائه الفطري ووعيه السياسي هو الأقدر على التمييز بين من يستحق الإقصاء ومن يستحق الإبقاء في المرحلة القادمة. وأرى أن يكون هذا متروكاً للاختيار الشعبي الحر المباشر، وليس مفروضاً بقانون استثنائي تطاله شبهة عدم الدستورية، وتقف وارءه جماهير غاضبة لم تمنح لنفسها الفرصة في أن تتأمل المشهد بهدوء، وتقدر بموضوعية حساب الأرباح والخسائر.

أعلم أن هذا الرأي لا يرضي كثيرين، خاصة من الذين سوف ينزلون غدا! إلى ميدان التحرير، وقد أكون مخطئاً وقد أكون مصيباً… ولكني بالتأكيد سوف أخضع لرأي الأغلبية، فإن رأت المنع والحرمان، فليكن ذلك فوراً ودون إبطاء، وإن رأت غير ذلك، فأنا مع غي ذلك.

والله تعالى أعلى وأعلم.

إطلالة على المشهد السياسي المصري

 

تمر مصر بحالة استقطاب ثلاثي حادة، يمكن أن تجهض الثورة تماماً وتكسر ظهر الوطن.

ثلاثي الاستقطاب هم: الإخوان (التيار الإسلامي)، الليبراليون الوطنيون (بتياراتهم المختلفة)، الجيش.

 

ولا أشك في أن كل من هؤلاء مخلص في حبه لوطنه، وحريص على تقدمه، وعلى قناعة بأن توجهاته وتصوراته هي الأفضل لمصر ومستقبلها.

 

ولكل من الأطراف الثلاثة عناصر قوته الواضحة، والتي يجيد استخدامها لصالحه.

 

فالتيار الإسلامي هو الأكثر قرباً من الشارع، وهو يراهن على الانتخابات القادمة بعد أن صوت المصريون للتعديلات الدستورية التي وضعت خريطة طريق واضحة للمرحلة الانتقالية، تبدأ بالانتخابات التي يتوقع الجميع أن يكون له فيها السهم الأوفر.

 

والليبراليون الوطنيون، ومنهم شباب الثورة هم الأكثر قلقاً من تنامي ظاهرة المد الإسلامي، خشية إجهاض التجربة الديمقراطية، وخوفاً من الخلط بين الدين والسياسة، واستغلال التعاطف الديني لدى جموع المصريين لاستبعادهم كلياً من المشهد. و لأن خبرات هذا التيار الانتخابية تكاد تكون معدومة، ولأنهم يعرفون بأن تواجدهم في البرلمان القادم سيكون محدوداً، يجتهدون في الالتفاف  حول نتائج الاستفتاء، ويعملون جاهدين لتأجيل الانتخابات أو إلغائها، وصياغة الدستور المصري بمعرفتهم، لا وفق ما تنتهي إليه نتائج الانتخابات النزيهة. وخلاصة موقفهم يتلخص في العبارة التالية: "نخشى أن يغرر الإخوان بالناخب المصري لتمرير مشروع ديني رجعي يضر بالوطن".

 

الطرف الثالث في هذه الحلقة هو الجيش المصري. الذي يبدي قدراً كبيراً حتى هذه اللحظة من الحكمة والاتزان. ربما لتوازنات داخل المؤسسة العسكرية نفسها. ولكن لا أحد يستطيع أن يراهن على صبر هذه المؤسسة، ولا على قدرتها على تحمل الضغوط التي تمارس عليها لإخراجها من اتزانها من جهة، ولا على صبرها على رفض الإغراءات التي تزين لها الاستئثار بالسطلة، و الدعوات من مثقفين كبار آخرهم هيكل تطالبهم بعدم تسليم السلطة، والاستمرار في الحكم لأجل غير مسمى بدعوى المصلحة العليا والأمن القومي.

 

الإخوان إذن يراهنون على صناديق الانتخاب

والليبراليون يراهنون على سطوة الإعلام

والجيش يراهن على الهيبة والاحترام الشعبي العام.

…………..

 

ما الذي يؤدي إليه الطمع وزهو الانتصار: إقصاء الآخر، احتكار القرار، تغليب المكسب الشخصي.

ما الذي يتمناه أعداء الوطن: الانتكاس، الفوضى، الخراب

ما الذي تقتضيه المصلحة ويدعو إليه العقل: التحاور، والتشارك، والتضحية.

 

بشكل عملي كيف نخرج من هذا المأزق؟

 

1-     العمل على تشكيل قوائم موحدة في الانتخابات البرلمانية تشكل بالتوافق بين القوى السياسية المختلفة بما فيها الإخوان و تشمل جميع دوائر مصر. بحيث تمثل هذه القوائم مرشحي الثورة، وستكون فرصتها في الفوز عالية جداً، وبالتالي يتم تشكيل المجلس بالتوافق، فلا يستأثر فريق بالسلطة، ولا يستبعد آخر لعدم استعداده، وتكون الانتخابات مجرد تصديق واعتماد لهذه التوافق وإكسابه شرعية دستورية.

 

2-     سحب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ترشيحه لمنصب الرئاسة، في مقابل أن يحظى بمنصب نائب الرئيس، مع أي رئيس يتم انتخابه.

 

3-     الإبقاء على حياد الجيش، وابتعاده عن العمل السياسي بإعطاء صلاحيات أكبر للحكومة الحالية في اتخاذ القرارات، حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، التي يجب أن تتم وفق خارطة الطريق التي صوت عليها الشعب دون إبطاء أو تغيير أو إرجاء.

 

4-     إرسال رسائل تطمينية متوازنة و متكررة لجميع دول العالم حول مستقبل مصر، وتوجهها، وتخفيف التصريحات التي تثير الأطراف الخارجية حول تطبيق الحدود أو التضييق على غير المسلمين، أو منع السياحة، أو تعظيم دور الرقابة الدينية على الإنتاج الفني.

 

5-     صياغة مدونة سلوك إعلامي يبتعد فيه الإعلام خاصة القنوات الفضائية عن استعداء الخصوم أو تجريحهم أو نشر أخبار أو شائعات تمسهم بغرض التعريض بهم والإساءة إليهم والحط من قدرهم.

 

ولا شك أن تحقيق هذه المقترحات يتطلب الكثير من الحكمة والتعقل والتضحيات. خاصة عندما يتخلى كل طرف طواعية عن استخدام أسلحته ضد الطرف الآخر.

 

حمى الله مصر من كل مكروه وسوء، وهدى أهلها لما فيه الخير والرشاد.

 

 

ما بعد الاستفتاء

 

كان رأيي ولا يزال أن:
التصويت بنعم أو لا..
ليس اختيارا بين حق و باطل…
ولكن مفاضلة بين حقين.

و يبدو أن نتيجة الاستفتاء تتجه إلى أغلبية تقول: “نعم” للتعديلات الدستورية… تماماً كما دعوت وكما توقعت.

يمكنني الآن وبقلب مطمئن أن أنضم إلى فريق "لا".

عندما كنا صغاراً… كان أبي يعلمني أن أفضل طريقة لتقسيم الرغيف بالعدل بيني وبين أخي… أن يقوم أحدنا بتقسيم الرغيف، بينما يقوم الآخر باختيار النصف الذي يعجبه. وفي مباريات كرة القدم فإذا اخترت الملعب، فإن الفريق الآخر يبدأ هو ضربة البداية.

وقد اختارت أغلبية المصريين “نعم”.. فعلى فريق”لا”أن يضرب هو ضربة البداية. وقد اختار فريق ““نعم”” تقسيم الرغيف… والآن فليقم فريق”لا” باختيار النصف الذي يعجبه.
…………

وأصل الحكاية أن هذا الاستفتاء لم يكن استفتاء "بحق وحقيق"، وإنما كان "بروفة" لما يجب أن تكون عليه الانتخابات والاستفتاءات القادمة. والخلاف بين “لا” و ““نعم”” لبست خلافا بين عقيدتين أو أيدلوجيتين، إذا اخترت إحداهما فعليك أن تطرد الأخرى (كالإيمان والإلحاد)، وإنما هو خلاف بين طريقتين مشروعتين في الوصول إلى نفس الهدف وهو كتابة دستور جديد يعبر عن آمال المصريين وطموحاتهم ويليق بهم كشعب عظيم.

ولا مجال هنا للاحتفال بفوز فريق" نعم" ، ولا لإقصاء المخالفين ممن قالوا "لا"… فالمنافسة لم تكن على كرسي في البرلمان يكسبه واحد ويخسره آخرون.

والمطلوب الآن وفوراً… أن نأتي بالأسباب المقنعة والتخوفات الحقيقية لدى من قالوا لا، ولنجعلها الآن في صدارة المشهد… لقد أراد فريق “لا” أن يؤكدوا إبطال دستور 71، وتقليص صلاحيات الرئيس، وضمان انتخابات نزيهة، وتغيير قانون ممارسة الحقوق السياسية، ومساعدتهم في تكوين أحزابهم الجديدة… وعلى فريق ““نعم”” أن يساعدهم في تحقيق هذه المطالب.

ولو كان الجيش ساعدنا وغير الاسم من "الاستفتاء على التعديلات الدستورية" إلى "الاستفتاء على الإعلان الدستوري الجديد"، بما يدفع أي شبهة عن دعوى إعادة إحياء دستور 71 الساقط لوفر علينا لغطاً كبيراً. ولا زلنا ننتظر من الجيش الكثير فيما يخص الإعداد للقوانين القادمة التي ستجري في ضوئها العملية الانتخابية.
…………..

لو كان لدي جهاز لكشف التصويت (مثل جهاز كشف الكذب)، لاستخدمته لفرز واستبعاد الأصوات التي صوتت (ب “نعم” أو ب"لا") تقليداً لفلان، أو استجابة لأمر فلان، أو تأثراً بإشاعة فلان، أو مخالفة لرأي فلان.. وأبقيت فقط على الأصوات التي صوتت بناء على قناعة شخصية، ولم تكن ظلاً لأصوات آخرين… ولو فعلت ذلك، لربما تغيرت النتيجة أو على الأقل كانت متقاربة.

ولو كان هناك مثل هذا الجهاز لاستخدمته لاستبعاد أصوات كل من قال ““نعم”” ظناً منه أن الشريعة تأمره ب”“نعم””. وهذه كذبة كبرى ومغالطة فاضحة… لأن معنى ذلك أن من قال “لا” هو مخالف للشريعة، وهذه هي الكذبة الأكبر والفرية الأعظم… فبين من قالوا “لا” أساتذة أفاضل وعلماء أجلاء ومجتهدون نبلاء… كان تقديرهم أن “لا” تحافظ على جذوة الثورة مشتعلة وتحميها من الانتكاس وهو منطق له حكمته ووجاهته.

ولم أرض أبداً عمن أشاعوا بين الناس أن “لا” تعني إلغاء مادة الشريعة الإسلامية من الدستور… وهؤلاء خدعوا الناس وأوهموهم بباطل، وأخشى أن الأصوات التي ذهبت لصالح “نعم” بهذه الحجة مشكوك في صحتها وقبولها.

وعلى الطرف الآخر، فإن من روجوا للتصويت ب “لا” كراهية في التيار الإسلامي وخوفا من سيطرة الإسلاميين (إخواناً وسلفيين وجهاديين) على المشهد السياسي هم أيضاً مارسوا دعاية سياسية خالية من النزاهة.

وأكبر دليل على هذا الخطأ هو قراءة النتيجة في صورتها النهائية….

هل لو كان مجموع من صوتوا ب”“نعم”” يصل إلى 15 مليوناً مثلاُ… فهل هذا يعني أن الإسلاميين سيحصلون على هذا العدد من الأصوات في أية انتخابات قادمة؟!!! هذا غير صحيح ولو حصل الإسلاميون على مثل هذه الأصوات لكان من حقهم أن يطالبوا بمنصب الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب والوزراء السيادية حزمة واحدة… دون أن يجرؤ أحد على منازعتهم أو منافستهم. ولكن الحقيقة أن كثيراً من الناس صوتت ل”“نعم”” أو “لا” وفق حسابات أخرى غير طائفية.

و هذه النتيجة لا تعبر عن حجم القوى السياسية في المجتمع، ولكنها تعبر عن رأي الناس في هذه التعديلات… أو كما قال لي أحدهم ممن صوت ب”“نعم””: كان التصويت بين أن نعود إلى العمل أو أن نبقي في ميدان التحرير، واخترت أن أعود إلى العمل. ويخطيء الإخوان لو بنوا حساباتهم السياسية على أن هذه هي النسبة التي سيحصلون عليها في الانتخابات البرلمانية.
……………..

ويمكنني الآن أن أقول إن الكنيسة القبطية قد ارتكبت خطأ سياسياً قاتلاً بدعوة الناس جهرة إلى التصويت بلا… وأضافت بذلك إلى أخطائها بتأييد مبارك ورفض ثورة 25 يناير وعدم اعتبار ضحاياها شهداء… خطأ آخر… كان من نتيجته أن يوماً وطنياً بامتياز كيوم الاستفتاء على الدستور تحول إلى يوم طائفي بغيض في بعض مشاهده… ولولا لطف الله لحدث ما لا تحمد عقباه.

فكل المسيحيين صوتوا ب "لا".. وهذا استخدام بالغ التطرف للدين في السياسة، كان من نتيجته أن حدث استقطاب حاد لدي قطاع عريض من الإسلاميين للتصويت ب “نعم”…

وكلا الفريقين مخطيء إذا بنى قناعاته في التصويت على أساس ديني أو طائفي… فلا يوجد في الإنجيل ما يدعو الناس للتصويت ب "لا"، ولا يوجد في القرآن ما يدعو الناس للتصويت ب “نعم”.

وما حدث هو بقايا فتنة طائفية قديمة، ما تلبث أن تخمد قليلاً ثم تعاود الظهور… ولا علاج لها إلا التوعية والحوار وإحسان الظن بالآخرين.

أرفض اتهام من قال "لا".. بأنه مخالف للدين…
وأرفض اتهام من قال "نعم".. بأنه ضد الثورة.

كلاهما:" نعم" و "لا"ا يقودان إلى نفس الهدف…
ولا يستطيع أحد أن يجزم الآن أيهما أفضل لمصر.
…………..

اتصل بي البعض لتهنئتي بأن أغلبية المصريين صوتت ب "نعم"..
وأقسم بالله العظيم… أن المصريين لو صوتوا ب "لا"… لكنت على نفس القدر من الفرحة والسعادة.

في مباراة نهائي كأس مصر بين فريقي "نعم" و “لا”…كنت أشجع فريق "نعم"…
بعد انتهاء المباراة….
علينا جميعاً أن نشجع الفريق الفائز..
لأنه سيخلع ملابسه..
و يلعب من الآن وحتى كتابة الدستور الجديد
باسم مصر.

تحيا مصر
العربية
الإسلامية
الحرة…

نعم للتعديلات الدستورية من أجل تغيير الدستور

 

هل يسمح لي من الكتاب الأفاضل والمفكرين الشرفاء الذين ينادون برفض التعديلات الدستورية بالاختلاف معهم… لنستفيد مرة… من فكرة الرأي والرأي الآخر… ولنتخذ قرارنا بناء على معلومات وحقائق وليس كما اعتدنا في النظام السابق بناء على انطباعات وأوامر وتعليمات!!

قرأت تقريباً كل ما كتب من رفض للتعديلات الدستورية ولم أقتنع بأي منها. خاصة أن بديل الرفض وهو إطالة أمد الحكم العسكري، أسوأ بكثير جداً من بديل الموافقة، وهو الخشية من ألا يكون البرلمان القادم معبراً عن التوزيع الحقيقي للقوى السياسية، وأن يستأثر الرئيس المنتخب بصلاحيات واسعة، وهو كلام غير صحيح وغير دقيق لأن مواد الدستور التي تتيح هذه الصلاحيات معطلة بنص قرار المجلس العسكري.

وأعتقد أن هناك سبباً آخر غير معلن وراء هذا الرفض من العديد من القوى السياسية، وهو حصول الإخوان المسلمين على الأغلبية في البرلمان، وإن كانت أغلبية لا تتيح لهم تشكيل حكومة مستقلة. كما أن حصولهم على نسبة 30% من الأصوات في الانتخابات القادمة هي محل شك، لأن أصول لعبة الانتخابات المصرية لا تزال حول العائلات والخدمات أكثر منها حول الأفكار والمباديء.

وكل ما يقوله الرافضون للتعديلات الدستورية نحن معه، ولكن لا نعتقد أن رفض التعديلات يمثل حلاً.

هم يقولون مثلا:
• إن التعديلات غير كافية، ونحن مع هذا الرأي،
• ويقولون إن الدستور القديم لم يعد يصلح ويجب تغييره، ونحن مع هذا الرأي،
• ويقولون إن بعض المواد الجديدة ليست محل إجماع خاصة مسألة شروط الترشيح للرئيس الجديد ، ونحن مع هذا الرأي.

وكل ما يطالبون به يمكن تحقيقه، بل في رأيي إن أفضل الطرق لتحقيقه هو الموافقة على التعديلات الدستورية، التي تمثل خريطة طريق للخروج من الأزمة، وجدولا واضح المعالم للوصول إلى بر الأمان بإعداد دستور جديد من هيئة تأسيسية منتخبة، وتغيير صلاحيات الرئيس.

لقد كانت فلسفة ومنطق المستشار البشري ولجنته في صياغة هذه التعديلات في غاية الحكمة والدقة والفهم العميق، خاصة أن جميع البدائل المطروحة لم تكن غائبة عن باله، وهو يختار المواد المرشحة للتعديل، ثم يضع التعديلات.

السيناريو الذي تطرحه الموافقة على التعديلات يتمثل فيما يلي:

• انتخاب برلمان خلال عدة أشهر وفق قانون جديد للانتخاب يضمن إشرافا قضائيا كاملا، ما يعني أن تكون النتيجة معبرة إلى حد كبير عن آراء الشارع في مصر كلها وليس في مديان التحرير وحدهً. وليست مشكلة البشري الآن أن الشارع له توجه معين، أو أن جهة أكثر استعدادا من جهة، فهذه كلها تنبؤات، يمكن أن يثبت زيفها أمام صندوق الانتخابات. إما أننا كشعب مستعدون للديموقراطية وقادرون على تحمل نتائجها، وإما لا. ومن قال إن الشعب غير جاهز من قبل مثل أحمد نظيف وعمر سليمان تم اعتبارهم مجرمين. فلماذا نعيد ما قالوه اليوم؟ هل نحن مع الديموقراطية بأخطائها أم نريد ديموقراطية تفصيل على هوانا لأننا أدرى بما يريده الشعب غير الجاهز؟!! وما الفرق بين هذا الكلام وما كان يردده منظرو النظام السابق؟!!

• يوفر هذا السيناريو انتخاب رئيس وفق شروط ترشيح معقولة، وتضمن على الأقل خمسة مرشحين ذوي حظوظ كبيرة في الحصول على أصوات كثيرة. ما يجعل المنافسة حقيقية، والنتيجة في النهاية لصالح مصر. وإذا كان مرشحاً جاهزاً اليوم أكثر من غيره بسبب دوره في الثورة فهل يجب معاقبته على ذلك؟!! وما هي التغييرات الجوهرية المتوقع حدوثها على المرشحين والناخبين إذا تم تأخير الانتخابات لمدة عام آخر نخضع فيه لحكم استثنائي حتى يستعد الناخبون؟!! لا شيء… لا شيء بالمرة… من يريد أن يستعد فليستعد للانتخابات التالية… ولا أظنها سوف تتأخر كثيراً.

• ويوفر السيناريو آليات واضحة لكتابة دستور جديد من هيئة تأسيسية (ليست بالضرورة من أعضاء البرلمان)، وسيكون تشكيلها متوازنا لضمان أفضل نتيجة ولديها وقت كاف (6 أشهر) تعمل في ظروف طبيعية، ويتاح لها أن تتواصل مع جموع الشعب للتعرف على رغباته الحقيقية، وليست معينة من قبل المجلس العسكري أو غيره، أو منتخبة مباشرة من الشعب لأنه من الصعب على جموع الشعب اختيار التقنيين المناسبين مباشرة ومن القاعدة.

• مع كتابة دستور جديد، فإن كل المواد قابلة للنقاش، بما فيها المواد الدستورية الخاضعة للاستفتاء عليها الآن، ومنها شروط الترشيح ومدة الرئيس وقوانين الانتخاب، والفصل في العضوية، ونسبة العمال والفلاحين وكوتة المرأة والنظام البرلماني والرئاسي، والحاجة لوجود مجلس شورى، … إلخ. وأتوقع أنه مع صدور الدستور الجديد فإن عدداً من هذه المواد سوف يتم تغييرها… لأنها وضعت وفي الذهن أنها تعبر عن مرحلة انتقالية… كما أتوقع أن يقوم كل من الرئيس والبرلمان بغرفتيه الشعب والشورى، بالاستقالة وإجراء انتخابات جديدة وفق بنود الدستور الجديد، لأن حجم التغيير فيه سيكون كبيراً، ما يستدعي استقالتهم والبدء من جديد.
…………


أظن أن هذه خطة عاقلة وحكيمة، وتصل للهدف بأقل قدر من الأضرار والخسائر إذا أحسنا النوايا وأبعدنا جانب التشكيك والتخوين…

أما رفض التعديلات فيعيدنا لنقطة الصفر، خاصة أنه ليس أمامنا تصور آخر لحل بديل… إلا بإطالة أمد الحكم العسكري، أو فكرة المجلس الرئاسي، وهي كلها حلول استثنائية تؤخر إلى حد كبير من دخول البلد في حالة الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي… وهي أولوية كبيرة لأن ما خسرناه من العطلة كبير… ولا أرى أي مكسب من إطالة أمد الحكم العسكري.

قد أكون مخطئاً… ويكون المنادون برفض التعديلات على صواب… لا أحد يعرف… ولن أندم أو أخجل حين أكتشف أنني كنت على خطأ، ولن أفخر وأطبل وأزمر حين تكشف الأيام أنني كنت على صواب… وهذه هي فضيلة الاجتهاد… من اجتهد وأخطأ فله أجر… أما من سخر وأعرض فليس له إلا التجاهل والإهمال.

ليس مهما من على صواب ومن على خطأ… المهم أن نفكر ونجتهد ونحاول….

المهم أن نقول رأينا في التعديلات سواء بنعم أم لا..
والمهم أن نقبل النتيجة سواء كانت مع ما دعونا إليه أم ما دعا إليه غيرنا…
والمهم أن نتعامل دائماً مع بعضنا البعض باحترام وتقدير…
وأن نضع مصلحة بلدنا نصب أعييننا…
أم ديننا فهو في أحشائنا وضمائرنا لا يفصلنا عنه إلا الموت.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.
 

كاريزما البرادعي

اللي بيتكلم عن كاريزما البرادعي

وإنه ما عندوش كارزيما… عايز كاريزما زي بتاع مين؟

 القذافي مثلا؟ وإلا عادل إمام؟!! وإلا محمود سعد…؟!!

وهو حسني مبارك لما مسك الحكم كان عنده كاريزما؟!!

وهو فيه أي حاكم خليجي عندي كاريزما زي اللي في بالكم…

أبداً … لكن عندهم ما هو أهم من الكاريزما.

والشعوب لا تأكل ولا تشرب ولا تتنفس كاريزيما…

والكاريزما لصاحبها… ومش هاتفيدني ولا تفيدك بحاجة…

يعني لن أكون أنا أفضل وبلدي أفضل… لأن رئيسي عنده كارزيما أفضل من رئيسك.

 يمكن البرادعي ما يعرفش يخطب زي محمد حسان ولا يحاور زي إبراهيم عيسى ولا يهتف زي أحمد فؤاد نجم ولا يكذب زي صفوت الشريف ولا يشتم زي البدري فرغلي ولا يتعايق زي عمرو موسى ولا يغني زي تامر حسني ولا يباصي زي أبو تريكة ولا يحب زي حسين فه.مي ولا ينافق زي أسامة سرايا ولا يتفلسف زي عبد المنعم سعيد ولا يجامل زي منى الشاذلي ولا يلاقي الكلام في بقه زي كمال أبو المجد ولا يكتب زي فهمي هويدي ولا يزعق زي عمرو أديب ولا يهزر زي خالد الجندي ولا ولا ولا….

 يمكن ما عندوش حاجة من دي خالص…

 بس عنده اللي أهم…

 عنده رؤية واضحة ووطنية صادقة وضمير حي وإصرار عجيب.

………

سأختار مرشحي للرئاسة حسب ثلاثة عوامل:

1- الخبرة السابقة والصفات الشخصية (30%)

2- الموقف من الثورة (30%)

3- البرنامج الرئاسي (40%).

…….

ولا زلت في انتظار المرشحين والبرامج.

متى تعود الشرطة وكيف؟

 

 

هل الغياب الأمني واختفاء رجال الشرطة في معظم المواقع سببه: عصيان وتمرد من رجال الشرطة على القبول بنتائج الثورة؟ أم خوف وانكسار من مواجهة الجماهير؟!!

 لا يمكن التعامل مع جهاز الشرطة كحزمة واحدة… يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من الضباط: المتمرد، والخائف، والشريف… والتعامل مع كل منهم بما يستحقه…

والواجب:

 إبعاد المتمرد.. طمأنة الخائف… تحميل الشريف مسئولية القيادة.

 الشرفاء من رجال الأمن السابقين والمقبولون جماهيريا وهم كثيرون … يمكن أن يقوموا بدور بارز إذا عادوا في أماكن حساسة… وتخريج دفعات جديدة من الضباط أو خريجي الحقوق الذين يلتحقون بدورات سريعة … ستعوض النقص في الدرجات الدنيا… ويجب أن يفتح الباب لأي ضابط يريد الاستقالة…

الشرطة والشعب والجيش إيد واحدة.

 

بطيخ البشري

في تعليق لطيف للمستشار البشري على سؤال منى الشاذلي لماذا يفضل إجراء انتخابات مجلس الشعب والشورى على قبل انتخابات الرئيس… خاصة أن الانتخابات الجديدة… سوف تفرز "بطيخة" لا نعرف إن كانت جيدة أم لا؟

فقال لها: وكذلك انتخابات الرئاسة سوف تفرز بطيخة ولكن بصلاحيات مطلقة… يمكن أن تستمر للأبد وتصوغ دستوراً على مزاجها الشخصي… أما البرلمان ففيه 508 بطيخة… وبالتالي فهم لا يمكن أن يتفقوا على باطل… خاصة أن الناس سوف تستجيب في الانتخابات بضغط الشارع الآن للقوى الوطنية الجديدة… ويمكن أن يصل بعضهم إلى المجلس.

وأكد أن الجمعية التأسيسية المقترحة من 100 عضو لا يشترط أن يكونوا أعضاء في البرلمان وإنما فقط يختارهم أعضاء البرلمان (شورى وشعب) من غير المعينين.

وعندما سألته لماذا لم تقوموا بتقليص صلاحيات الرئيس… قال: هذا يحتاج إلى اتفاق أولا على شكل الجمهورية هل هي برلمانية أم رئاسية… وهذا يحتاج إلى نقاش موسع لا يمكن أن تنفرد به اللجنة التي عملت لمدة 10 أيام فقط. 

نفس المنطق وهو أن التعديلات كان الغرض منها فقط الوصول إلى رئيس وبرلمان للاسراع بعودة الجيش إلى الثكنات، وبدأ الحياة الطبيعية… هو الذي دفع المستشار البشري إلى تأجيل كل شيء إلى ما بعد الانتخابات… حتى يتم دراسة الأمور بهدوء… ولكنه شخصيا مع إلغاء مجلس الشورى ونسبة العمال والفلاحين والقائمة النسبية و تغيير قانون ممارسة الحقوق السياسية وغيرها…

بطيخ البرلمان أفضل من بطيخة الرئاسة… خاصة أن الضمان الحقيقي هو الثورة وميدان التحرير.

 منطق أعجبني

هل يصلح الشيخ القرضاوي رئيساً لمصر؟

 

الأصل أن لدينا نصوصاً مقدسة يجب علينا احترامها… ولدينا واقعاً بالغ التعقيد يجب علينا فهمه. ومنهما معاً ينشأ تقدير للمواقف واتخاذ للقرارات.
 
هناك لغة للدين تتحدث عن فقه الدليل والمقاصد العليا للشريعة والرؤية الشرعية والأحكام الفقهية والنصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة وأصول الفقه … إلخ.
 
وهناك لغة للحياة وللمجتمع… لا تنكر ما سبق، ولا تعارضه … ولكنها تتوازى معه… وهي تستطيع بمرونتها وانفتاحها أن تحقق للدين وللدنيا ما لا تستطيع اللغة الأولى … المغلقة والمحدودة والمتخصصة. وهذا لا يعيب اللغة الأولى ولكنه يصفها ويضعها في إطارها الصحيح.
 
ليس في الأمر مفاجأة إذا قلت لكم إن النصوص الشرعية بفهمها المعاصر – لا بفهمها القديم- لا تغطي أكثر من 5-10% مما نحتاجه من قرارات ومواقف. أما إذا أصررنا على الفهم القديم لهذه النصوص فإن النسبة تنخفض إلى ما دون 2%…
 
وهذا هو ما يفسر الانزعاج الذي يصيب أصحاب الفهم القديم للنصوص الشرعية عندما يكتشفون أن قدرتهم على التفاعل لا تتجاوز هذه النسبة… فيقومون بالتحايل لرفع هذه النسبة بطرق مختلفة فيها تحميل للأمور فوق ما تحتمل، عندما يتكرر سؤال: "ما حكم الدين في…." ثم يتم وضع أي كلام بعد حرف الجر لمجرد إثبات أن للدين رأياً في كل شيء بداية من نوع الشركة التي يتم إنشاؤها وحتى المواد الدراسية التي يجوز تدرسيها للبنات في المدارس ، وهذا نوع من الكهنوت الديني الذي يجب علينا جميعاً أن نحاربه.
 
وإذا قمت بتصوير تليفزيوني ليوم في حياة شخص "متدين"… فستجد أن ما يتعلق بالدين في يومه – وهو الذي يميزه عن الشخص غير المتدين- لا يتجاوز ساعتين أو أقل من 24 ساعة (أي أقل من 10%).. وباقي يومه في كلامه أو أفعاله هو مشترك مع غير المتدين.
 
لا نريد أن نخرج الدين من التأثير، ولكن نريد أن نضعه في حجمه الحقيقي، ولا نريد باسم الدين أن نفسد الدنيا… والأصل أن الدين جاء لخدمة الإنسان لا للتضييق عليه.
 
يتم انتخاب ولي الأمر المسلم للقيام بدورين أساسيين: "حراسة الدين"، و "سياسة الدنيا بالدين". والدور الأول مكانه المسجد ودور العلم، والدور الثاني مكانه الشارع والبرلمان والوزارة… الدور الأول يقوده علماء متخصصون، والدور الثاني يقوده سياسيون محترفون. وحتى تكتمل الحلقة… فيجب على العلماء أن يكون لهم إلمام بالواقع، ويجب على السياسيين أن يكون لهم إلمام بالدين… لا لشيء إلا لأنهم يحكمون دولة ذات أغلبية مسلمة.
,,,,,,,,,,,,
 
بكل وضوح… لا أحد يختلف على قدر ومكانة وعلم العلامة الشيخ يوسف القرضاوي… وعلى حسن إلمامه بفقه الواقع بالإضافة إلى إحاطته الكبيرة بعلوم الشريعة الإسلامية… وهو في رأيي واحد من أعظم العلماء الذين عرفهم الإسلام على امتداد تاريخه كله… وهو في إسهاماته للفكر الإسلامي لا يقل عن كبار الأئمة أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد، ومن بعدهم ابن تيمية وابن القيم والغزالي وغيرهم… والأثر العظيم لكلماته وتصريحاته ربما يتجاوز أثر تصريحات وكلمات معظم الحكام العرب… وهو فوق ذلك رمز للاعتدال والوسطية… وحاجتنا لحكمته وعلمه كبيرة..
 
ومع ذلك… فأنا لا أتصوره رئيساً لمصر.
  
لا هو ولا محمد حسان ولا عمرو خالد ولا وجدي غنيم…
مع عظيم احترامي لجميع الشيوخ والعلماء…
 
مواصفات الإمام الديني تختلف عن مواصفات الزعيم السياسي
لأن الإسلام لا يعرف الكهنوت…
ولأن مصر دولة مدنية دينها الإسلام…
والذين ينكرون أن مصر دولة مدنية… لا يعرفون معنى كلمة "مدنية"
ولا يعرفون أن الإسلام دين المدنية
ولم يكن أي من أئمة المسلمين الدينين عبر التاريخ…
خليفة أوحاكماً لدولة إسلامية.
………………….
…………..
……….

أعظم رئيس في مصر

في قصة قصيرة لمارك توين، توفي رجل وعلى الأعراف قابل القديس بطرس، وسأله: أنا مهتم بالتاريخ، وهذا وقت معرفة الحقيقة… ترى من هو أعظم جنرال حربي في التاريخ؟… أشار القديس بطرس إلى أحدهم، وقال: هذا سؤال بسيط… إنه هذا الشخص الواقف هناك… فرد الرجل في دهشة، وقال: لا يمكن… هناك خطأ ما… أنا أعرف هذا الرجل إنه مجرد عامل بسيط. فقال القديس بطرس: ربما يكون عاملا بسيطاً… لكنه بالتأكيد كان سيصبح أعظم جنرال في التاريخ لو كان جنرالاً.

من هو أعظم رئيس في مصر… لو كان رئيساً؟!!

إشكالية المادة الثانية من الدستور المصري

(نشرت لأول مرة بجريدة الدستور المصرية عام 2007، ونعيد اليوم نشرها مع تعديلات طفيفة)

حتى لو لم تكن المادة الثانية من الدستور تنص على أن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فإن القراءة الشرعية لمقترحات التعديلات الدستورية واجبة لضمان عدم تعارضها  –بل وانطلاقها- من عقيدة وقيم المواطنين المعنيين بهذه التعديلات.

ومن العبث تجاهل أن الدين – في مصر وخارجها- لا زال أحد المرجعيات الكبرى للسلوك اليومي، فضلاً عن أن دراسة الأثر الإيجابي أو السلبي للتعديلات الدستورية على قيم الناس الدينية على لا يقل أهمية عن قياس الأثر الاقتصادي أو الاجتماعي، ولا أدري لماذا يصر البعض على اعتبار مثل هذه الدراسات مبالغة ممقوتة أو لغواً لا طائل من ورائه، أو محاولة لجر البلد للخلف.

وقد أثبتت الأيام أن مقولة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، كانت تحمل تبسيطاً مخلاً أو حلماً مستحيلاً دفع ثمنه صاحبها الرئيس السادات نفسه، في أعنف نفي عملي على تهافتها.

ومن العسير على أي محلل أن يفصل السياسي عن الديني عند متابعته أحداثاً من مثل: استراتيجيات بوش "الرسالية"، وغزوتي نيويورك ولندن للإمامين بن لادن والظواهري (!)، وقوانين الحجاب في أوروبا، والدولة "اليهودية" على أرض فلسطين التاريخية، والتلكؤ في قبول تركيا "المسلمة" في الاتحاد الأوروبي "المسيحي"، وقوانين الهجرة في بريطانيا، وأسلحة إيران النووية، ومظاهرات مناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الرسوم الدنماركية، وإعدام صدام صباح عيد الأضحي، وتصريحات بابا الفاتيكان بخصوص الرسول والقرآن، ومؤتمر إيران عن الهولوكست، وسحب كتاب د. محمد عمارة عن التكفير.

ولو شئت لسردت مئات الأمثلة من قرارات السياسيين، وتصرفات المواطنين في الشارع والمتجر ومحل العمل التي تؤكد على أن الدين – أو على الأصح تفسير الناس لمعنى التدين – يمثل أحد أهم معايير الأفراد في الحكم على الأحداث، ومعايير الحكام في اتخاذ القرارات ، دعك من أن تعريف علماء الشريعة للسياسة وأصول الحكم يجعل الدين في القلب منها.

و تأتي التعديلات الدستورية الحالية التي تشرف عليها  اللجنة المشكلة من الجلس العسكري الحاكم  متزامناً مع عودة عدد كبير من قادة و أفراد الجماعات الإسلامية إلى الحياة المدنية بعد سنوات قضوها في السجون. وفي الوقت الذي يتحسب فيه الجميع ردود فعل التيار الإسلامي الغالب والمعتدل (والمحظور) وهو جماعة الإخوان المسلمين، يتم تجاهل العائدين ولا تبذل أية جهود لاستيعاب هذا التيار واستمالته.

وإذا انتهت المناقشات إلى إقصائه كلياً من العملية السياسية، فسيصبح عبئاً على المجتمع يحول دون استقراره… خاصة أن عدداً من التعديلات المطروحة تمس في جوهرها الأصول العقدية لهذا التيار، والتي من أجلها أقدم على اغتيال الرئيس السادات، وبرر لنفسه أعمال عنف استمرت لما يزيد عن عشرين عاماً، ولا زالت توابعها باقية.

ورغم أن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتصويت، إلا أن هناك عدداً آخر من المتعلقة بها مثل تأكيد فكرة المواطنة، أو تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، أو حظر قيام الأحزاب على أساس ديني أو حصر الترشيح للرئاسة على المنتمين للأحزاب السياسية، أو قانون الإرهاب.  

و ينظر إليها هذا الفريق – وفق اجتهاداته الخاصة – باعتبار التغيير انتقاصاً حاداً من توجه الدولة الإسلامي، أو تعطيلاً مقصوداً لهذا النص غير المفعل أًصلاً، خاصة أن الدولة في عرف هذا الفريق بدستورها الحالي متهمة بأنها دولة جاهلية، أو على الأقل تفتقر للعديد من الشروط التي تلزمها لتكون "دارإسلام" بالمفهوم الفقهي القديم. 

وعلى الجانب الآخر، فإن تعدد القراءات التي تحذر من الصعود المتزايد للتيار الإسلامي، بما يرشحه ليكون وريثاً محتملاً للحكم، أصبح يشكل تهديداً واضحاً لم يتردد الأقباط في إعلانه،  لما يرونه من غموض خطاب التيار الإسلامي فيما يخص قضية الحريات الفردية والعامة، وأيضًا قضايا المساواة الكاملة في المشاركة في الحكم والإدارة دون تمييز بسبب الدين.

 ولأن الإعلام نجح في تصوير نماذج الحكم الإسلامية في أفغانستان والسودان وباكستان وإيران، بشكل لا يطمئن غير المتدينين فضلاً عن المختلفين في العقيدة. الأمر الذي دفعهم إلى المجاهرة بضمانات دستورية متزايدة، يراها البعض خروجاً عن التوافق العام، وتكريساً لمبدأ الطائفية عن طريق المحاصصة، وهو الذي لم تعرفه مصر على مدار تاريخها الممتد لعشرات القرون، فضلاً عن أنه يتناقض كلياً مع  التوجه نحو إبراز "المواطنة" التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز.

وقد يبدو سؤال بسيط مثل: هل تتعارض "المواطنة" مع مباديء الشريعة الإسلامية؟ وهما مادتان يراد النص عليهما معاً في الدستور، مقدمة لسيل لا ينتهي من النقاشات على المستوى القانوني والديني والاجتماعي.

هل المواطنة تنتقص من فكرة الانتماء الإسلامي؟

هل يجب على كل مسلم مصري أن يتنكر ويدين تماماً فكرة الخلافة؟

هل إعطاء حقوق متساوية للمسيحيين يستلزم بالضرورة إعطاء هذه الحقوق للبهائيين و الهندوس و الشيعة؟

هل تعني المواطنة أن من حق البابا شنودة أن يتولي رئاسة الجمهورية؟

هل هذا مقبول شرعاً؟

هل تعني المواطنة أن من حق محمد بديع أو عبود الزمر أو محمد حسان أن يكون رئيس مصر؟ هل هذا مقبول أمنياً؟

هل تعني المواطنة أن من حق المسيحي أن يدرس بجامعة الأزهر؟ وأن يتولى رئاستها شيعي؟

هل تعني المواطنة أن يسمح الدستور بتولي سيدة رئاسة الجمهورية؟ ما رأي المجتهدين المعاصرين؟

هل تحول مباديء الشريعة الإسلامية دون مشاركة الأقباط في القضايا الوطنية وفى الحياة العامة؟

…………..

ومن المؤسف أن النقاش حول الدستور لا يزال يدور على مستوى النخبة، والأسوأ من ذلك أن مناخ النقاش يسيطر عليه هاجس الحكم العسكري وشبح الإخوان وتذمر الأقباط، وكيف ستعالج النصوص الدستورية كلاً من هذه الثلاثة، وكأن هذه القضايا ستظل قدر مصر لمئات السنين.

إن البعض يستنتج – بسذاجة – من هذه المجادلات أن الدين يتدخل فيما لا يعنيه ليفسد السياسة، وأن الحل يكمن إلغاء المادة الثانية من الدستور، وفي حبس الدين في المسجد والكنيسة، وإبقاء أثره على المجتمع باهتاً مع النص بوضوح في الدستور على علمانية الدولة. 

وحتى لو سلمنا أن هذا هو الحل الأمثل – وهو بالتأكيد ليس أمثل وليس حلاً أصلاً- فكيف يمكن تطبيقه؟

هل يكفي لتغيير ثقافة شعب أن نحذف مادة دستورية أو نضيف أخرى؟

وماذا عن الممارسات اليومية في الشارع والإعلام وأماكن العمل التي تتعارض مع هذا النص المفترض؟

وماذا عن الآخر خارج الدولة الذي لا يلزمه دستور ولا قانون باحترام عقيدتي وقيمي؟

ثم ألم يثبت التاريخ  أن أفضل الوسائل لنشر روح السلام والتسامح بين البشر هو تفعيل "النصوص المقدسة" في الكتب السماوية التي جاء بها رب البشر، وليس الاعتماد على المواد الدستورية المجمدة، أو الآراء الشخصية و التعليقات السطحية لسياسي متحذلق أو رجل دين منافق.

إن الدين لا يفسد السياسة، ولكن السياسيين يستغلون الدين لتحقيق أهدافهم السياسية، وهم يستعينون في ذلك ببعض المنتفعين من المشتغلين بعلوم الدين.

إن المادة الثانية من الدستور خط أحمر… وبقاؤه لا ينتقص أي حقوق من حقوق الأقباط أو غيرهم، ولا يتعارض مع فكرة المواطنة. والقائلون بعرضها للتصويت على الأقباط فقط يضربون فكرة مدنية الدولة في مقتل… فهل عرضت فرنسا نصوص منع الحجاب على المسلمين فقط، وهل عرضت سويسرا استفتاءها لمنع المآذن على المسلمين فقط.

لا حل إلا بالحوار والشروح والضمانات… ولا يوجد ما يمنع من أن تضاف إلى هذه المادة أو تضاف مادة أخرى تؤكد على الحقوق المتساوية للأقباط وتؤكد على أحقيتهم في تطبيق تعاليمهم الدينية على ما يخصهم من الأحوال الشخصية وغيرها.

ولا يصح أن يحملنا الفهم أو الاستخدام الخاطيء للدين والنصوص الشرعية على اتهام الدين أو استبعاده ، وليكن كل همنا – مسلمين وأقباط – أن يعود الدين "الحقيقي" بقيمه الفطرية البسيطة والأصيلة ليكون فوق الدستور وفوق القانون، وفي عقل كل منا ووجدانه، ضمانة حقيقة لاستقرار مصر، وحافزاً قوياً لنهضتها وسعادة أبنائها.

wael.aziz2000@hotmail.com