الوسوم
حتى لو لم تكن المادة الثانية من الدستور تنص على أن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فإن القراءة الشرعية لمقترحات التعديلات الدستورية واجبة لضمان عدم تعارضها –بل وانطلاقها- من عقيدة وقيم المواطنين المعنيين بهذه التعديلات. ومن العبث تجاهل أن الدين – في مصر وخارجها- لا زال أحد المرجعيات الكبرى للسلوك اليومي، فضلاً عن أن دراسة الأثر الإيجابي أو السلبي للتعديلات الدستورية على قيم الناس الدينية على لا يقل أهمية عن قياس الأثر الاقتصادي أو الاجتماعي، ولا أدري لماذا يصر البعض على اعتبار مثل هذه الدراسات مبالغة ممقوتة أو لغواً لا طائل من ورائه، أو محاولة لجر البلد للخلف.
وقد أثبتت الأيام أن مقولة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، كانت تحمل تبسيطاً مخلاً أو حلماً مستحيلاً دفع ثمنه صاحبها الرئيس السادات نفسه، في أعنف نفي عملي على تهافتها. ومن العسير على أي محلل أن يفصل السياسي عن الديني عند متابعته أحداثاً من مثل: استراتيجيات بوش "الرسالية"، وغزوتي نيويورك ولندن للإمامين بن لادن والظواهري (!)، وقوانين الحجاب في أوروبا، والدولة "اليهودية" على أرض فلسطين التاريخية، والتلكؤ في قبول تركيا "المسلمة" في الاتحاد الأوروبي "المسيحي"، وقوانين الهجرة في بريطانيا، وأسلحة إيران النووية، ومظاهرات مناصرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الرسوم الدنماركية، وإعدام صدام صباح عيد الأضحي، وتصريحات بابا الفاتيكان بخصوص الرسول والقرآن، ومؤتمر إيران عن الهولوكست، وسحب كتاب د. محمد عمارة عن التكفير، ولو شئت لسردت مئات الأمثلة من قرارات السياسيين، وتصرفات المواطنين في الشارع والمتجر ومحل العمل التي تؤكد على أن الدين – أو على الأصح تفسير الناس لمعنى التدين – يمثل أحد أهم معايير الأفراد في الحكم على الأحداث، ومعايير الحكام في اتخاذ القرارات ، دعك من أن تعريف علماء الشريعة للسياسة وأصول الحكم يجعل الدين في القلب منها.
و يأتي طلب الرئيس مبارك بمناقشة هذه التعديلات الدستورية متزامناً مع عودة عدد كبير من قادة و أفراد الجماعات الإسلامية إلى الحياة المدنية بعد سنوات قضوها في السجون. وفي الوقت الذي يتحسب فيه الجميع ردود فعل التيار الإسلامي الغالب والمعتدل (والمحظور) وهو جماعة الإخوان المسلمين، يتم تجاهل العائدين ولا تبذل أية جهود لاستيعاب هذا التيار واستمالته. وإذا انتهت المناقشات إلى إقصائه كلياً من العملية السياسية، فسيصبح عبئاً على المجتمع يحول دون استقراره… خاصة أن عدداً من التعديلات المطروحة تمس في جوهرها الأصول العقدية لهذا التيار، والتي من أجلها أقدم على اغتيال الرئيس السادات، وبرر لنفسه أعمال عنف استمرت لما يزيد عن عشرين عاماً، ولا زالت توابعها باقية.
ورغم أن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتصويت، إلا أن هناك عدداً آخر من المواد التي يطالب الرئيس بتغييرها مثل تأكيد فكرة المواطنة، أو تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، أو حظر قيام الأحزاب على أساس ديني أو حصر الترشيح للرئاسة على المنتمين للأحزاب السياسية، أو قانون الإرهاب. و ينظر إليها هذا الفريق – وفق اجتهاداته الخاصة – باعتبار التغيير انتقاصاً حاداً من توجه الدولة الإسلامي، أو تعطيلاً مقصوداً لهذا النص غير المفعل أًصلاً، خاصة أن الدولة في عرف هذا الفريق بدستورها الحالي متهمة بأنها دولة جاهلية، أو على الأقل تفتقر للعديد من الشروط التي تلزمها لتكون "دارإسلام" بالمفهوم الفقهي القديم.
وعلى الجانب الآخر، فإن تعدد القراءات التي تحذر من الصعود المتزايد للتيار الإسلامي، بما يرشحه ليكون وريثاً محتملاً للحكم، أصبح يشكل تهديداً واضحاً لم يتردد الأقباط في إعلانه، لما يرونه من غموض خطاب التيار الإسلامي فيما يخص قضية الحريات الفردية والعامة، وأيضًا قضايا المساواة الكاملة في المشاركة في الحكم والإدارة دون تمييز بسبب الدين، ولأن الإعلام نجح في تصوير نماذج الحكم الإسلامية في أفغانستان والسودان وباكستان وإيران، بشكل لا يطمئن غير المتدينين فضلاً عن المختلفين في العقيدة. الأمر الذي دفعهم إلى المجاهرة بضمانات دستورية متزايدة، يراها البعض خروجاً عن التوافق العام، وتكريساً لمبدأ الطائفية عن طريق المحاصصة، وهو الذي لم تعرفه مصر على مدار تاريخها الممتد لعشرات القرون، فضلاً عن أنه يتناقض كلياً مع التوجه نحو إبراز "المواطنة" التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز.
وقد يبدو سؤال بسيط مثل: هل تتعارض "المواطنة" مع مباديء الشريعة الإسلامية؟ وهما مادتان يراد النص عليهما معاً في الدستور، مقدمة لسيل لا ينتهي من النقاشات على المستوى القانوني والديني والاجتماعي. هل المواطنة تنتقص من فكرة الانتماء الإسلامي؟ هل يجب على كل مسلم مصري أن يتنكر ويدين تماماً فكرة الخلافة؟ هل إعطاء حقوق متساوية للمسيحيين يستلزم بالضرورة إعطاء هذه الحقوق للبهائيين و الهندوس و الشيعة؟ هل تعني المواطنة أن من حق البابا شنودة أن يتولي رئاسة الجمهورية؟ هل هذا مقبول شرعاً؟ هل تعني المواطنة أن من حق مهدي عاكف أو عبود الزمر أن يكون رئيس مصر؟ هل هذا مقبول أمنياً؟ هل تعني المواطنة أن من حق المسيحي أن يدرس بجامعة الأزهر؟ وأن يتولى رئاستها شيعي؟ هل تعني المواطنة أن يسمح الدستور بتولي سيدة رئاسة الجمهورية؟ ما رأي المجتهدين المعاصرين؟ هل تحول مباديء الشريعة الإسلامية دون مشاركة الأقباط في القضايا الوطنية وفى الحياة العامة؟
ومن المؤسف أن النقاش حول الدستور لا يزال يدور على مستوى النخبة، والأسوأ من ذلك أن مناخ النقاش يسيطر عليه هاجس التوريث وشبح الإخوان وتذمر الأقباط، وكيف ستعالج النصوص الدستورية كلاً من هذه الثلاثة، وكأن هذه القضايا ستظل قدر مصر لمئات السنين. وقد أصبح واضحاً من آليات النقاش أن الحزب الحاكم لم يطرح هذه التعديلات كخطوة على طريق المراجعة والإصلاح، بل من أجل تهيئة المجال لانتقال سلمي للسلطة إلى خليفة الرئيس مبارك عن طريق تحييد التيارات السياسية الفاعلة أو استخدامها كديكور لتمرير التوريث عن طريق بعض الوعود السياسية، وهذا مناخ لا يبشر بنتائج ترضي طموحات الجماهير إلى تغييرات تنعكس عليها إيجابياً في حياتها اليومية.
إن البعض يستنتج – بسذاجة – من هذه المجادلات أن الدين يتدخل فيما لا يعنيه ليفسد السياسة، وأن الحل يكمن إلغاء المادة الثانية من الدستور، وفي حبس الدين في المسجد والكنيسة، وإبقاء أثره على المجتمع باهتاً مع النص بوضوح في الدستور على علمانية الدولة. وحتى لو سلمنا أن هذا هو الحل الأمثل – وهو بالتأكيد ليس أمثل وليس حلاً أصلاً- فكيف يمكن تطبيقه؟ هل يكفي لتغيير ثقافة شعب أن نحذف مادة دستورية أو نضيف أخرى؟ وماذا عن الممارسات اليومية في الشارع والإعلام وأماكن العمل التي تتعارض مع هذا النص المفترض؟ وماذا عن الآخر خارج الدولة الذي لا يلزمه دستور ولا قانون باحترام عقيدتي وقيمي؟ ثم ألم يثبت التاريخ أن أفضل الوسائل لنشر روح السلام والتسامح بين البشر هو تفعيل "النصوص المقدسة" في الكتب السماوية التي جاء بها رب البشر، وليس الاعتماد على المواد الدستورية المجمدة، أو الآراء الشخصية و التعليقات السطحية لسياسي متحذلق أو رجل دين منافق.
إن الدين لا يفسد السياسة، ولكن السياسيين يستغلون الدين لتحقيق أهدافهم السياسية، وهم يستعينون في ذلك ببعض المنتفعين من المشتغلين بعلوم الدين. ولا يصح أن يحملنا هذا الوضع الخاطيء على اتهام الدين أو استبعاده ، وليكن كل همنا – مسلمين وأقباط – أن يعود الدين "الحقيقي" بقيمه الفطرية البسيطة والأصيلة ليكون فوق الدستور وفوق القانون، وفي عقل كل منا ووجدانه، ضمانة حقيقة لاستقرار مصر، وحافزاً قوياً لنهضتها وسعادة أبنائها.
حسـان العـاني said:
السلام عليكم اخي الكريم الاستاذ د. وائل
من خلال قرائاتي للقوانين الاقتصادية لكبريات الشركات العالمية في امريكا واليابان وجدت أن اساسيات دستورها الاقتصادي مستنبط من الشريعة الاسلامية .. فلهذا نشاهد المنتسبين يعملون بجد واخلاص لانه قد ضمن العدالة في تعامل ادارة الشركة لتضمن له حقوقه وحقوق اسرته وحتى الطفل الرضيع …. اقصد من هذه المقدمة الذي يعتبر احد الامثلة لعدالة الشريعة الاسلامية … ان الاستعمار عمد على ان يجعل هوة واسعة بين الدستور الحقيقي لشريعتنا ليكون متضاربا مع سياسة الحكومات (( الاحتكارية )) بكل انواع الاحتكار فتارة يبينون للناس ان الاسلام ماهو الا هؤلاء الرجال الملتحين ذوو الثياب القصيرة او اولئك العلماء الذين لايتعايشون مع تطورالت العصر بل فقط مجرد شعائر وعبادات ولاشغل له الا تكفير هذال وتنزيه ذلك ومع كل الاسف
مقولة سيدنا عمر عندما بعث برسالته الى عمرو بن العاص عندما وصل خبر للفاروق بان ابن عمرو بن العاص ضرب احد (( الاقباط )) فقال له (( الى العاص عمرو بن العاص .. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا )) ان هذه المقولة نتناقلها كقصة تاريخية مؤثرة دون تطبيقها ولكن فرنسا التي منعت الحجاب جعلت هذه المقولة من اساسيات القانون الانساني الذي يحكم شعب فرنسا
مشكلتنا تكمن فيمن هم يحملون شعارات الاسلام ولكن من اجل تحقيق الغايات وليس من اجل التطبيق .. ولايمكن ان تطبق شريعة الاسلام بالشعارات فقط اذا لم يسبقها تطبيق على ارض الواقع في مجتمعاتنا لانه وكما في قوله تعالى
لايغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم
شاكرا لكم هذا الطرح الرائع المدعوم بأوضح الامثلة .. تقديري واحترامي
عماد السامرائي said:
من يحاول ان يختطف الحياة السياسية يتجنب ابسط مفاهيم الديمقراطية ..وهو رأي الاكثرية … ليعودوا للشعب و يحتكموا اليه … لماذا يخافون … ؟؟؟ الجواب سيكشف الحقيقة …. تحيتي و احترامي دكتور
Ola El-Fouly said:
أخى د. وائل
ارجو التفضل بزياره مدونتى وقراءه مقال (أدويه القنوات الفضائيه داء أم دواء) والأهتمام بالموضوع وشكرا
علا الفولى
موريس حليم - مصر said:
هل ستقبل المادة الثانية من الدستور :
– بحرية العقيدةوتغيير المعتقد من والى دين الدولة بنفس القدر من الحرية ؟؟
-وهل ستقبل ولاية غير المنتمين لدين الدولة بالمناصب العليا والحساسة للدولة ام سيكونون مواطنون من الدرجة الثانية ؟؟
-هل سيكون من حق غير المنتمين لدين الدولة بناء دور عبادة لهم بنفس حق المنتمين لدين الدولة؟
و الكثير من الاسئلة المتعلقة بالمساواة بين
الراجي عفو ربه said:
قال أصدق القائلين وأحكم الحاكمين الله رب العالمين :{أفحكم الجاهلية يبعون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} وكيف لايكون ذلك وهو أعلم بنا من أنفسنا ،قال الله :{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
ولم ينزل القرآن للصحابة والتابعين فحسب بل نزل دستورا للأمة على مر الأزمنة والدهور قال الله :{وما كان ربك نسيا} فالخير كل الخير في شرع الله ،وما نهضت الأمة إلا بتمسكها بشرع الله والناظر في حال الدول المتطورة اقتصاديا أو اجتماعيا أو صحيا أو…إلى آخره يجدها أخذت أسسها من الشريعة الإسلامية أو اقتربت منها وأقول : والله ثم والله إن الأمان والاطمئنان والسعادة في أن يسود شرع الله ، ففي ظل الشرع لا تخشى على مالك أو عرضك أوعقيدتك مثلما تخشى ذلك في غيره، فلا تجد من يسرق مالك خوفا على يده من القطع ولا تجد من يتعدى على أهلك في عرضك خوفا من الجلد أو الرجم ،أما في ظل غيره فحدث ولا حرج ،وأقول :إن الذي لا يريد أن تطبق الشرعية أجزم أنه يطوي في نفسه نيات خبيثة لا يستطيع تحقيقها إلا في ظل غياب الشرعية
أما النصارى فلهم حقوقهم التي أخبرنا ربنا وربهم في كتابه العزيز وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم،{وما ربك بظلام للعبيد }، {ولا يظلم ربك أحدا}
أما من يريد تمييع الدين وتضييع هوية الأمة فليتق الله قبل أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر ،وفي يوم القيامة {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا}ونحن له في الدنيا بالمرصاد ندافع عن شرع ربنا بأرواحنا وأقوالنا وأقلامنا وبتضرعنا إلى الله أن يجعل كيد هؤلاء في نحورهم،وأن تظل راية الإسلام خفاقة في كبد السماء يسترشد بها كل من به السبيل
امجد اسحاق said:
هل ستقبل المادة الثانية من الدستور :
– بحرية العقيدةوتغيير المعتقد من والى دين الدولة بنفس القدر من الحرية ؟؟
-وهل ستقبل ولاية غير المنتمين لدين الدولة بالمناصب العليا والحساسة للدولة ام سيكونون مواطنون من الدرجة الثانية ؟؟
-هل سيكون من حق غير المنتمين لدين الدولة بناء دور عبادة لهم بنفس حق المنتمين لدين الدولة؟
و الكثير من الاسئلة المتعلقة بالمساواة بين
egypt said:
أرفض إلغاء المادة الثانية من الدستور واطالب بإضافة مادة للدستور تنص على أن من حق الأقباط أن يكون الحكم بينهم وفقا لديانتهم مثل ما احنا المسلمين لدينا مادة لنا ايضا المفروض لهم هما ايضا حتى لا توجد فتنة كدة نظام مبارك ما انتهاش شغال والفتنة شغالة كدة مفيش حاجة اتغيرت
محمد شعبان said:
يا رب محمد حسان يكون رئيس الجمهوريةالقادم
سمر شعبان said:
لا اله الا الله محمد رسول الله نعم للدستور
شمس said:
أقترح تعديلها إلى
الدولة تحترم تعدد العقائدوتعدد اللغات وضمير الأمة هو المصدر الأساسي للتشريع
أعتقد أن هذا النص أقرب إلى روح الإسلام